واللحم ، فيتعفن بالرطوبة الدموية في البشرة بعد خروجها من المسام ، فيكون منه القمل ، وأكثر ما يكون ذلك : بعد العلل والأسقام ، بسبب الأوساخ. وإنما كان في رؤوس الصبيان أكثر : لكثرة رطوباتهم ، وتعاطيهم الأسباب التي تولد القمل. ولذلك حلق النبي صلىاللهعليهوسلم رؤوس بنى جعفر. ومن أكبر علاجه : حلق الرأس لينفتح مسام الأبخرة ، فتتصاعد الأبخرة الرديئة ، فتضعف مادة الخلط. وينبغي أن يطلى الرأس بعد ذلك ، بالأدوية التي تقتل القمل وتمنع تولده.
وحلق الرأس ثلاثة أنواع أحدها (١) نسك وقربة ، والثاني بدعة وشرك ، والثالث حاجة ودواء. ( فالأول ) : الحلق في أحد النسكين : الحج أو العمرة. ( والثاني ) : حلق الرأس لغير الله سبحانه. كما يحلقها المريدون لشيوخهم ، فيقول أحدهم : أنا حلقت رأسي لفلان ، وأنت حلقته لفلان. وهذا بمنزلة أن يقول : سجدت لفلان. فإن حلق الرأس خضوع وعبودية وذل ، ولهذا كان من تمام الحج. حتى إنه عند الشافعي ـ رحمه الله ـ ركن من أركانه : لا يتم إلا به. فإنه وضع النواصي بين يدي ربها : خضوعا لعظمته ، وتذللا لعزته. وهو من أبلغ أنواع العبودية. ولهذا كانت العرب : إذا أرادت إذلال الأسير منهم وعتقه ، حلقوا رأسه وأطلقوه. فجاء شيوخ الضلال والمزاحمون للربوبية ـ الذين أساس مشيختهم على الشرك والبدعة ـ فأرادوا من مريديهم أن يتعبدوا لهم ، فزينوا لهم ( حلق رؤوسهم لهم ) (٢) كما زينوا لهم السجود لهم ، وسموه بغير اسمه ، وقالوا : هو وضع الرأس بين يدي الشيخ. ولعمر الله : إن السجود لله هو : وضع الرأس بين يديه سبحانه. وزينوا لهم : أن ينذروا لهم ، ويتوبوا لهم ، ويحلفوا بأسمائهم. وهذا هو اتخاذهم أربابا وآلهة من دون الله. قال تعالى : ( ما كان لبشر أن يؤتيه الله الكتاب والحكم والنبوة ، ثم يقول للناس : كونوا عبادا لي من دون الله ، ولكن كونوا ربانيين بما كنتم تعلمون الكتاب وبما كنتم
__________________
(١) كذا بالزاد ١١٥. وفى الأصل : أحدهما. وهو تحريف.
(٢) زيادة متعينة عن الزاد.