كذلك ، وحلاوة الدنيا بعينها مرارة الآخرة. ولان ينتقل من مرارة منقطعة ، إلى حلاوة دائمة ـ خير له من عكس ذلك.
فإن خفى عليك هذا فانظر إلى قول الصادق المصدوق : « حفت الجنة بالمكاره ، وحفت النار بالشهوات ».
وفى هذا المقام تفاوتت عقول الخلائق ، وظهرت حقائق الرجال. فأكثرهم آثر الحلاوة المنقطعة ، على الحلاوة الدائمة التي لا تزول ، ولم يحتمل مرارة ساعة بحلاوة الأبد ، ولا ذل ساعة لعز الأبد ، ولا محنة ساعة لعافية الأبد. فإن الحاضر عنده شهادة ، والمنتظر غيب ، والايمان ضعيف ، وسلطان الشهوة حاكم. فتولد من ذلك إيثار العاجلة ، ورفض الآخرة.
وهذا حال النظر الواقع على ظواهر الأمور وأوائلها ومبادئها. وأما النظر الثاقب الذي يخرق حجب العاجلة ، ويجاوزه إلى العواقب والغايات ـ : فله شأن آخر.
فادع نفسك إلى ما أعد الله لأوليائه وأهل طاعته : من النعيم المقيم ، والسعادة الأبدية ، والفوز الأكبر ، وما أعد لأهل البطالة والإضاعة : من الخزي والعقاب ، والحسرات الدائمة. ثم اختر أي القسمين أليق بك. و ( كل يعمل على شاكلته ) ، وكل أحد يصبو إلى ما يناسبه وما هو الأولى به. ولا تستطل هذا العلاج : فشدة الحاجة إليه ـ من الطبيب والعليل ـ دعت إلى بسطه. وبالله التوفيق.
فصل في هديه صلىاللهعليهوسلم في علاج الكرب والهم والغم والحزن
أخرجا في الصحيحين ـ من حديث ابن عباس ـ أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، كان يقول عند الكرب : « لا إله إلا الله العظيم الحليم ، لا إله إلا الله رب العرش العظيم ، لا إله إلا الله رب السماوات ( السبع ) (١) ، ورب الأرض ، رب العرش الكريم ».
وفى جامع الترمذي عن أنس : « أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، كان إذا حزبه أمر ، قال :
__________________
(١) زيادة عن الزاد ١٢٨.