تقى العنق الحر والبرد ، وهو أثبت لها ولا سيما عند ركوب الخيل والإبل ، والكر والفر. وكثير من الناس اتخذ الكلاليب عوضا عن التحنك (١) ويا بعد ما بينهما في النفع والزينة! وأنت إذا تأملت هذه اللبسة : وجدتها من أنفع اللبسات وأبلغها في حفظ صحة البدن وقوته ، وأبعدها من التكلف والمشقة على البدن.
وكان يلبس الخفاف في السفر دائما أو أغلب أحواله ـ : لحاجة الرجلين إلى ما يقيهما من الحر والبرد. ـ وفى الحضر أحيانا.
وكان أحب ألوان الثياب إليه البياض والحبرة ، وهى : البرود المحبرة.
ولم يكن من هديه لبس الأحمر ، ولا الأسود ، ولا المصبغ ، ولا المصقول.
وأما الحلة الحمراء التي لبسها ، فهي : الرداء اليماني الذي فيه سواد وحمرة وبياض ، كالحلة الخضراء. فقد لبس هذه وهذه. وقد تقدم تقرير ذلك ، وتغليظ من زعم أنه لبس الأحمر ألقاني ـ بما فيه كفاية.
فصل في تدبيره لأمر المسكر
لما علم صلىاللهعليهوسلم أنه على ظهر سير ، وأن الدنيا مرحلة مسافر ـ ينزل فيها مدة عمره ، ثم ينتقل عنها إلى الآخرة ـ : لم يكن من هديه وهدى أصحابه ومن تبعه ، الاعتناء بالمساكن وتشييدها ، وتعليتها وزخرفتها (٢) وتوسيعها. بل كانت من أحسن منازل المسافر : تقى الحر والبرد ، وتستر عن العيون ، وتمنع من ولوج الدواب ، ولا يخاف سقوطها لفرط ثقلها ، ولا تعشعش فيها الهوام لسعتها ، ولا تعتور عليها الأهوية والرياح المؤذية لارتفاعها. وليست تحت الأرض. فتؤذى ساكنها ، ولافى غاية الارتفاع عليها ، بل وسط. وتلك أعدل المساكن وأنفعها ، وأقلها حرا وبردا ، ولا تضيق عن ساكنها فينحصر ، ولا
__________________
(١) بالزاد ١٤٢ : الحنك. وهو أحسن.
(٢) كذا بالزاد. وهو المناسب. وفى الأصل : زخرفها. ولعله تحريف. وانظر : اللسان ١١ / ٣٢.