الفضلات المرارية الحادة وغيرها في فصل الصيف ، وعدم تحللها في آخره. وفى الخريف : لبرد الجو ، وردغة (١) الأبخرة والفضلات التي كانت تتحلل في زمن الصيف ، فتنحصر فتسخن وتعفن : فتحدث الأمراض العفنة. ولا سيما : إذا صادفت (٢) البدن مستعدا قابلا ، رهلا ، قليل الحركة ، كثير المواد. فهذا لا يكاد يفلت من العطب.
وأصح الفصول فيه : فصل الربيع ، قال أبقراط (٣) : « إن في الخريف أشد ما يكون من الأمراض وأقتل ، وأما الربيع : فأصح الأوقات كلها ، وأقلها موتا ». وقد جرت عادة الصيادلة ومجهزي الموتى : أنهم يستدينون ويتسلفون في الربيع والصيف ، على فصل الخريف. فهو ربيعهم ، وهم أشوق شئ إليه ، وأفرح بقدومه.
وقد روى في حديث : « إذا طلع النجم : ارتفعت العاهة عن كل بلد ». وفسر : بطلوع الثريا ، وفسر : بطلوع النبات زمن الربيع. ومنه : ( النجم والشجر يسجدان ) ، فإن كمال طلوعه وتمامه يكون في فصل الربيع ، وهو : الفصل الذي ترتفع فيه الآفات.
وأما الثريا : فالامراض تكثر وقت طلوعها مع الفجر وسقوطها. قال التميمي في كتاب « مادة البقاء » : « أشد أوقات السنة فسادا ، وأعظمها بلية على الأجساد ـ وقتان : ( أحدهما ) : وقت سقوط الثريا للمغيب عند طلوع الفجر ، ( والثاني ) : وقت طلوعها من المشرق قبل طلوع الشمس على العالم ، بمنزلة (٤) من منازل القمر. وهو : وقت تصرم فصل الربيع وانقضائه. غير أن الفساد الكائن عند طلوعها ، أقل ضررا من الفساد الكائن عند سقوطها ».
وقال أبو محمد بن قتيبة : « يقال : ما طلعت الثريا ولا نأت إلا بعاهة في الناس ، والإبل وغروبها أعوه (٥) من طلوعها ».
وفى الحديث قول ثالث ـ ولعله أولى الأقوال به ـ : أن المراد بالنجم : الثريا ، وبالعاهة :
__________________
(١) كذا بالأصل. وفى الزاد : « وردعه للأبخرة ». وهو تصحيف.
(٢) كذا بالزاد. وفى الأصل : « صادف ». والظاهر أن النقص من الناسخ أو الطابع.
(٣) كذا بالأصل. وفى الزاد : (ص ٧٦) : « بقراط » ، ولعل كلا منهما صحيح. وليراجع.
(٤) كذا بالأصل. وفى الزاد : « لمنزلة » ، وكلاهما صحيح.
(٥) أي : أشد عاهة وإصابة. من « عاه الشئ » : إذا أصابته آفة. اه ق. وهذا لفظ الأصل. وفى الزاد : « أعود » ، وهو تصحيف غريب