وللبدن ثلاثة أحوال : حال طبيعية ، وحال خارجة عن الطبيعية ، وحال متوسطة بين الامرين. فالأولى بها يكون البدن صحيحا ، والثانية يكون بها مريضا ، والحال الثالثة هي متوسطة بين الحالتين : فإن الضد لا ينتقل إلى ضده إلا بمتوسط (١).
وسبب خروج البدن عن طبيعته : إما من داخله ، لأنه مركب من الحار والبارد ، والرطب واليابس. وإما من خارج : فلان ما يلقاه قد يكون موافقا ، وقد يكون غير موافق.
والضرر الذي يلحق الانسان قد يكون من سوء المزاج : بخروجه عن الاعتدال ، وقد يكون من فساد العضو ، وقد يكون من ضعف في القوى أو الأرواح الحاملة لها ويرجع ذلك إلى زيادة ما الاعتدال في عدم زيادته ، أو نقصان ما الاعتدال في عدم نقصانه ، أو تفرق ما الاعتدال في اتصاله ، أو اتصال ما الاعتدال في تفرقه ، أو امتداد ما الاعتدال في انقباضه ، أو خروج ذي وضع وشكل عن وضعه وشكله : بحيث يخرجه عن اعتداله.
فالطبيب هو الذي يفرق ما يضر بالانسان جمعه ، أو يجمع فيه ما يضره تفرقه ، أو ينقص منه ما يضره زيادته ، أو يزيد فيه ما يضره نقصه. فيجلب الصحة المفقودة ، أو يحفظها بالشكل والشبه ، ويدفع العلة الموجودة بالضد والنقيض ويخرجها ، أو يدفعها بما يمنع من حصولها بالحمية. وسترى هذا كله في هدى رسول الله صلىاللهعليهوسلم شافيا وكافيا ، بحول الله وقوته ، وفضله ومعونته.
( فصل ) فكان من هديه صلىاللهعليهوسلم : فعل التداوي في نفسه ، والامر به لمن أصابه مرض من أهله أو أصحابه (٢). ولكن لم يكن من هديه ولا هدى أصحابه ، استعمال هذه الأدوية المركبة التي تسمى : أقراباذين (٢). بل كان غالب أدويتهم بالمفردات ، وربما أضافوا إلى المفرد ما يعاونه ، أو يكسر سورته. وهذا غالب طب الأمم على اختلاف أجناسها : من العرب ، والترك ، وأهل البوادي قاطبة. وإنما عنى بالمركبات الروم واليونانيون. وأكثر طب الهند بالمفردات.
__________________
(١) كذا بالأصل وفى الزاد : « لمتوسط ». وكلاهما صحيح.
(٢) كذا بالأصل. وفى الزاد : « وأصحابه .. أقرباذين ».