ولو كشف الغطاء : لرأيت أكثر النفوس البشرية صرعى مع هذه الأرواح الخبيثة ، وهى في أسرها وقبضتها : تسوقها حيث شاءت ، ولا يمكنها الامتناع عنها ، ولا مخالفتها ، وبها الصرع الأعظم : الذي لا يفيق صاحبه إلا عند المفارقة والمعاينة. فهناك يتحقق : أنه كان هو المصروع حقيقة. وبالله المستعان.
وعلاج هذا الصرع : باقتران العقل الصحيح إلى الايمان بما جاءت به الرسل ، وأن تكون الجنة والنار نصب عينه ، وقبلة قلبه ، ويستحضر أهل الدنيا وحلول المثولات (١) والآفات بهم ، ووقوعها خلال ديارهم : كمواقع القطر ، وهم صرعى لا يفيقون.
وما أشد أعداء هذا الصرع. ولكن لما عمت البلية به بحيث (٢) ينظر الانسان لا يرى إلا مصروعا ، لم يصر مستغربا ولا مستنكرا. بل صار لكثرة المصروعين ، عين المستنكر المستغرب خلافه.
فإذا أراد الله بعبد حيرا : أفاق من هذه الصرعة ، ونظر إلى أبناء الدنيا : مصروعين حوله يمينا وشمالا ، على اختلاف طبقاتهم. فمنهم : من أطبق به الجنون ، ومنهم : من يفيق أحيانا قليلة ويعود إلى جنونه ، ومنهم : من يجن مرة ويفيق أخرى (٣) ، فإذا أفاق : عمل عمل أهل الإفاقة والعقل ، ثم يعاوده الصرع : فيقع في التخبيط.
( فصل ) وأما صرع الاخلاط (٤) فهو : علة تمنع الأعضاء النفيسة عن الافعال والحركة والانتصاب ، منعا غير تام. وسببه : خلط غليظ لزج ، يسد منافذ بطون الدماغ سدة غير تامة ، فيمتنع نفوذ الحس والحركة ، فيه وفى الأعضاء ، نفوذا ما من غير انقطاع بالكلية. وقد يكون لأسباب أخر : كريح غليظ يحتبس في منافذ الروح ، أو بخار
__________________
(١) كذا بالأصل والزاد : (ص ٨٥). وهود « المثلات » ( بفتح الميم ) جمع « مثلة » ( بالفتح فالضم ) العقوبات. وإن كان اللفظ الثاني هو المشهور أو الذي اقتصرت عليه بعض المعاجم. انظر : القاموس (٤ / ٤٩) ، والمختار؟؟ (٦١٥).
(٢) هذا إلخ عبارة الأصل. وفى الزاد : « بحيث لا يرى إلا مصروعا ».
(٣) كذا بالأصل. وعبارة الزاد : « ومنهم من يفيق مرة ويجن أخرى ».
(٤) كذا بالأصل. وفى الزاد : « الاختلاط » ، وهو تحريف.