وقد اتفق الأطباء على أنه متى أمكن التداوي بالغذاء : لا يعدل إلى الدواء ، ومتى أمكن بالبسيط : لا يعدل إلى المركب. قالوا : وكل داء قدر على دفعه بالأغذية والحمية ، لم يحاول دفعه بالأدوية. قالوا : ولا ينبغي للطبيب أن يولع بسقى الأدوية (١) ، فإن الدواء إذا لم يجد في البدن داء يحلله ، أو وجد داء لا يوافقه ، أو وجد ما يوافقه فزادت كميته عليه أو كيفيته ـ : تشبث بالصحة وعبث بها.
وأرباب التجارب من الأطباء طبهم بالمفردات غالبا ، وهم أحد فرق الطب الثلاث :
والتحقيق في ذلك : أن الأدوية من جنس الأغذية ، والأمة والطائفة التي غالب أغذيتها المفردات : أمراضها (٢) قليلة جدا ، وطبها بالمفردات. وأهل المدن الذين غلبت. عليهم الأغذية المركبة ، يحتاجون إلى الأدوية المركبة. وسبب ذلك أن أمراضهم في الغالب مركبة ، فالأدوية المركبة أنفع لها. وأمراض أهل البوادي والصحاري مفردة : فيكفي في مداواتها الأدوية المفردة. فهذا برهان بحسب الصناعة الطبية.
ونحن نقول : إن ههنا أمرا آخر نسبة طب الأطباء إليه ، كنسبة طب الطرقية والعجائز إلى طبهم. وقد اعترف به حذاقهم وأئمتهم. فإن ما عندهم من العلم بالطب ( منهم ) من يقول : هو قياس ، ( ومنهم ) من يقول : هو تجربة ، ( ومنهم ) من يقول : إلهامات ومنامات وحدس صائب ، ( ومنهم ) من يقول : أخذ كثير منه (٣) من الحيوانات البهيمية ، كما نشاهد السنانير إذا أكلت ذوات السموم : تعمد إلى السراج ، فتلغ في الزيت تتداوى به. وكما رؤيت الحيات إذا خرجت من بطون الأرض ـ وقد غشيت أبصارها ـ : تأتى إلى ورق الرازيانج ، فتمر عيونها عليها. وكما عهد من الطير الذي يحتقن بماء البحر عند انحباس طبعه. وأمثال ذلك : مما ذكر في مبادئ الطب.
__________________
(١) عند وجود مرض معين ، يجب استعمال الدواء اللازم بدون إسراف. لان كل دواء سلاح ذو حدين يفيد المريض من المرض من ناحية ، فإن زادت كميته وجرعته وطالت مدة استعماله : فربما يؤدى إلى مرض أي عضو من أعضاء الجسم السليمة. ويوجد كثير من الأمراض لا يحتاج علاجها إلى أكثر من الراحة التامة ، ونظام معين في التغذية. اه د.
(٢) كذا بالأصل. وفى الزاد : « فأمراضها ». وكل صحيح.
(٣) هذه الكلمة ساقطة من الزاد ، وهى متعينة أو جيدة.