تضر بالناقة من المرض : لسرعة استحالتها ، وضعف الطبيعة عن دفعها ، فإنها بعد لم تتمكن قوتها : وهى مشغولة بدفع آثار العلة وإزالتها من البدن. وفى الرطب خاصة نوع ثقل على المعدة ، فتشتغل بمعالجته وإصلاحه ، عما هي بصدده : من إزالة بقية المرض ، وآثاره ، فإما أن تقف تلك البقية ، وإما أن تتزايد. فلما وضع بين يديه السلق والشعير ، أمره : أن يصيب منه. فإنه من أنفع الأغذية للناقه : فإن في ماء الشعير ـ من التبريد والتغذية ، والتلطيف والتليين ، وتقوية الطبيعة ـ ما هو أصلح للناقه ، ولا سيما إذا طبخ بأصول السلق. فهذا من أوفق الغذاء لمن في معدته ضعف ، ولا يتولد عنه من الاخلاط ، ما يخاف منه.
وقال زيد بن أسلم : « حمى عمر رضي الله عنه مريضا له ، حتى إنه من شدة ما حماه ، كان يمص النوى ». وبالجملة : فالحمية من أكبر الأدوية قبل الداء (١) ، فتمنع حصوله. وإذا حصل : فتمنع تزايده وانتشاره.
( فصل ) ومما ينبغي أن يعلم أن كثيرا مما يحمى عنه العليل والناقة والصحيح ، إذا اشتدت الشهوة إليه ، ومالت إليه الطبيعة ، فتناول منه الشئ اليسير الذي لا تعجز الطبيعة عن هضمه ـ : لم يضره تناوله ، بل ربما انتفع به. فإن الطبيعة والمعدة تتلقيانه بالقبول والمحبة ، فيصلحان ما يخشى من ضرره. وقد يكون أنفع من تناول ما تكرهه الطبيعة وتدفعه : من الدواء.
ولهذا أقر النبي صلىاللهعليهوسلم ، صهيبا ـ وهو أرمد ـ على تناول التمرات اليسيرة ، وعلم أنها لا تضره.
ومن هذا ما يروى عن علي : « أنه دخل على رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، وهو أرمد ـ وبين يدي النبي صلىاللهعليهوسلم تمر يأكله ـ فقال : يا علي ، تشتهيه؟ ورمى إليه بتمرة ، ثم بأخرى ، حتى رمى إليه سبعا. ثم قال : حسبك يا علي » (٢).
ومن هذا ما رواه ابن ماجة في سننه ـ من حديث عكرمة ، عن ابن عباس ـ :
__________________
(١) في الزاد : « الدواء » ، وهو تحريف فتأمل.
(٢) رواه أبو نعيم في الطب بإسناد حسن. اه ق.