ما ينفع في علته. وربما توضأ وصب على المريض من وضوئه. وربما كان يقول للمريض : « لا بأس عليك ، طهور إن شاء الله تعالى ». وهذا من كمال اللطف ، وحسن العلاج والتدبير.
فصل في هديه صلىاللهعليهوسلم في علاج الأبدان بما اعتادته
من الأدوية والأغذية ، دون ما لم تعتده
هذا أصل عظيم من أصول العلاج ، وأنفع شئ فيه. وإذا أخطأه الطبيب : ضر المريض من حيث يظن أنه ينفعه. ولا يعدل عنه إلى ما يجده من الأدوية في كتب الطب ، إلا طبيب جاهل. فإن ملاءمة الأدوية والأغذية للأبدان : بحسب استعدادها وقبولها. وهؤلاء أهل البوادي والا كارون وغيرهم : لا ينجع فيهم شراب اللينوفر والورد الطري ولا المغلى (١) ، ولا يؤثر في طباعهم شيئا. بل عامة أدوية أهل الحضر وأهل الرفاهية ، لا تجدى عليهم. والتجربة شاهدة بذلك.
ومن تأمل ما ذكرناه ـ من العلاج النبوي ـ رآه كله موافقا لعادة العليل وأرضه ، وما نشأ عليه. فهذا أصل عظم من أصول العلاج : يجب الاعتناء به. وقد صرح به أفاضل أهل الطب ، حتى قال طبيب العرب ، بل أطبهم الحارث بن كلدة ـ وكان فيهم كأبقراط في قومه ـ : « الحمية رأس الدواء ، والمعدة بيت الداء ، وعودوا كل بدن ما اعتاد » ، وفى لفظ عنه : « الأزم دواء ». والأزم : الامساك عن الاكل ، يعنى به : الجوع. وهو من أكبر الأدوية في شفاء الأمراض الامتلائية كلها : بحيث إنه أفضل في علاجها من المستفرغات ، إذا لم يخف من كثرة الامتلاء ، وهيجان الاخلاط وحدتها وغليانها.
وقوله : « المعدة بيت الداء » ، ( المعدة ) : عضو عصبي مجوف كالقرعة في شكله ، مركب من ثلاث طبقات مؤلفة من شظايا دقيقة عصبية ، تسمى الليف ، ويحيط بها لحم ،
__________________
(١) بالأصل والزاد ١٠١ : « المغالى ». والظاهر أنه محرف عما أثبتناه. انظر المصباح : ( غلا )