والمقصود : أن ماء الشعير مطبوخا صحاحا ، ينفذ سريعا ، ويجلو جلاء ظاهرا ، ويغذى غذاء لطيفا. وإذا شرب حارا : كان إجلاؤه أقوى ، ونفوذه أسرع ، وإنماؤه للحرارة الغريزية أكثر ، وتلميسه لسطوح المعدة أوفق.
وقوله صلىاللهعليهوسلم : « فيها مجمة لفؤاد المريض » ، يروى بوجهين : بفتح الميم والجيم ، وبضم الميم وكسر الجيم. والأول أشهر. ومعناه : أنها مريحة له ، أي تريحه وتسكنه. من « الاجمام » وهو : الراحة.
وقوله : « ويذهب ببعض الحزن » ، هذا ـ والله أعلم ـ : لان الغم والحزن يبردان المزاج ، ويضعفان الحرارة الغريزية : لميل الروح الحامل لها إلى جهة القلب ، الذي هو منشؤها. وهذا الحساء يقوى (١) الحرارة الغريزية : بزيادته في مادتها ، فتزيل أكثر ما عرض له : من الغم والحزن.
وقد يقال ـ وهو أقرب : إنها تذهب ببعض الحزن ، بخاصية فيها من جنس خواص الأغذية المفرحة. فإن من الأغذية ما يفرح بالخاصية. والله أعلم.
وقد يقال : إن قوى الحزين تضعف باستيلاء اليبس على أعضائه ، وعلى معدته خاصة ، لتقليل الغذاء. وهذا الحساء يرطبها ويقويها ويغذيها ، ويفعل مثل ذلك بفؤاد المريض. لكن المريض كثيرا ما يجتمع في معدته خلط مراري أو بلغمي أو صديدي ، وهذا الحساء يجلو ذلك عن المعدة ويسروه ، ويحدره (٢) ويميعه ، ويعدل كيفيته ، ويكسر سورته ـ فيريحها ، ولا سيما لمن عادته الاغتذاء بخبز الشعير. وهى عادة أهل المدينة إذ ذاك. وكان هو غالب قوتهم ، وكانت الحنطة عزيزة عندهم. والله أعلم.
فصل في هديه صلىاللهعليهوسلم في علاج السم
الذي أصابه بخيبر من اليهود
ذكر عبد الرزاق ـ عن معمر ، عن الزهري ، عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك ـ :
__________________
(١) بالزاد ١٠٣ : « مقوى ». ولعله تصحيف.
(٢) بالزاد : « ويخدره ويمنعه ». وهو تصحيف