ثم أقبل ( عليهالسلام ) على الشيخ فقال : يا شيخ إن الله عزوجل خلق خلفا ضيق الدنيا عليهم نظرا لهم فزهدهم فيها وفي حطامها ، فرغبوا في دار السلام التي دعاهم إليها وصبروا على ضيق المعيشة وصبروا على المكروه ، واشتاقوا إلى ما عند الله عزوجل من الكرامة ، فبذلوا أنفسهم ابتغاء رضوان الله ، وكانت خاتمة أعمالهم الشهادة فلقوا الله عزوجل وهو عنهم راض وعلموا أن الموت سبيل من مضى ومن بقي ، فتزودوا لآخرتهم غير الذهب والفضة ، ولبسوا الخشن ، وصبروا على البلوى (١) ، وقدموا الفضل ، وأحبوا في الله وأبغضوا في الله عزوجل ، أولئك المصابيح ، وأهل النعيم في الآخرة والسلام.
قال الشيخ : فأين أذهب وأدع الجنة وأنا أراها وأرى أهلها معك يا أمير المؤمنين جهزني بقوة أتقوى بها على عدوك ، فأعطاه أمير المؤمنين ( عليهالسلام ) سلاحا وحمله وكان في الحرب بين يدي أمير المؤمنين ( عليهالسلام ) يضرب قدما (٢) وأمير المؤمنين عليهالسلام يعجب مما يصنع ، فلما اشتد الحرب أقدم فرسه حتى قتل رحمة الله عليه وأتبعه رجل من أصحاب أمير المؤمنين ( عليهالسلام ) فوجده صريعا ووجد دابته ووجد سيفه في ذراعه ، فلما انقضت الحرب أتى أمير المؤمنين ( عليهالسلام ) بدابته وسلاحه وصلى عليه أمير المؤمنين عليهالسلام وقال : هذا والله السعيد حقا ، فترحموا على أخيكم.
٥٨٣٤ ـ وقال أمير المؤمنين ( عليهالسلام ) في وصيته لابنه محمد بن الحنفية رضياللهعنه : يا بنى إياك والاتكال على الأماني فإنها بضائع النوكى (٣) وتثبيط عن
__________________
(١) في بعض النسخ « على الطوى » أي الجوع
(٢) بضمتين أي شجاعا : أو لم يحول وجهه عن الحرب.
(٣) الاتكال : الاعتماد ، والأماني جمع الأمنية وهي التمنيات الباطلة أكاذيب الشيطان ، ولعل المراد تسويف التوبة ، والنوكي ـ بالفتح كسكرى ـ جمع أنوك أي الأحمق ، والنوك ـ بالضم والفتح ـ الحمق أي الحمقى ليس لهم رأس مال الا أكاذيب الشيطان فإنه يقول أخر التوبة إلى آخر العمر ، ولا يدرى الضعيف ولا يعلم أنه لعله في آخر ساعاته ، والتثبيط : التعويق.