يفسد النصف الآخر.
هذا محصل ما ذكروه ، وهو حق غير أنه إنما يرد على المسلمين لا على الإسلام وتعاليمه ، ومتى عمل المسلمون بحقيقة ما ألقته إليهم تعاليم الإسلام حتى يؤخذ الإسلام بالمفاسد التي أعقبته أعمالهم؟ وقد فقدوا منذ قرون الحكومة الصالحة التي تربي الناس بالتعاليم الدينية الشريفة بل كان أسبق الناس إلى هتك الأستار التي أسدلها الدين ونقض قوانينه وإبطال حدوده هي طبقة الحكام والولاة على المسلمين ، والناس على دين ملوكهم ، ولو اشتغلنا بقص بعض السير الجارية في بيوت الملوك والفضائح التي كان يأتي بها ملوك الإسلام وولاته منذ أن تبدلت الحكومة الدينية بالملك والسلطنة المستبدة لجاء بحياله تأليفا مستقلا ، وبالجملة لو ورد الإشكال فهو وارد على المسلمين في اختيارهم لبيوتهم نوع اجتماع لا يتضمن سعادة عيشتهم ونحو سياسة لا يقدرون على إنفاذها بحيث لا تنحرف عن مستقيم الصراط ، والذنب في ذلك عائد إلى الرجال دون النساء والأولاد وإن كان على كل نفس ما اكتسبت من إثم ، وذلك أن سيرة هؤلاء الرجال وتفديتهم سعادة أنفسهم وأهليهم وأولادهم وصفاء جو مجتمعهم في سبيل شرهم وجهالتهم هو الأصل لجميع هذه المفاسد والمنبت لكل هذه الشقوة المبيدة.
وأما الإسلام فلم يشرع تعدد الزوجات على نحو الإيجاب والفرض على كل رجل ، وإنما نظر في طبيعة الأفراد وما ربما يعرضهم من العوارض الحادثة ، واعتبر الصلاح القاطع في ذلك ( كما مر تفصيله ) ثم استقصى مفاسد التكثير ومحاذيره وأحصاها فأباح عند ذلك التعدد حفظا لمصلحة المجتمع الإنساني ، وقيده بما يرتفع معه جميع هذه المفاسد الشنيعة وهو وثوق الرجل بأنه سيقسط بينهن ويعدل فمن وثق من نفسه بذلك ووفق له فهو الذي أباح له الدين تعدد الزوجات ، وأما هؤلاء الذين لا عناية لهم بسعادة أنفسهم وأهليهم وأولادهم ولا كرامة عندهم إلا ترضية بطونهم وفروجهم ، ولا مفهوم للمرأة عندهم إلا أنها مخلوقة في سبيل شهوة الرجل ولذته فلا شأن للإسلام فيهم ، ولا يجوز لهم إلا الازدواج بواحدة لو جاز لهم ذلك والحال هذه.
على أن في أصل الإشكال خلطا بين جهتين مفرقتين في الإسلام ، وهما جهتا التشريع والولاية.
توضيح ذلك أن المدار في القضاء بالصلاح والفساد في القوانين الموضوعة والسنن