لكن لا يلائم ذلك قوله تعالى بعد : ( فَإِنْ تابا وَأَصْلَحا فَأَعْرِضُوا عَنْهُما ) ، فإنه لا يلائم الحبس المخلد فلا بد أن يقال : إن المراد بالإعراض الإعراض عن الإيذاء دون الحبس فهو بحاله.
ولهذا ربما قيل تبعا لما ورد في بعض الروايات ( وسننقلها ) إن الآية الأولى لبيان حكم الزنا في الثيب ، والثانية مسوقة لحكم الأبكار وأن المراد بالإيذاء هو الحبس في الأبكار ثم تخلية سبيلهن مع التوبة والإصلاح ، لكن يبقى أولا الوجه في تخصيص الأولى بالثيبات والثانية بالأبكار من غير دليل يدل عليه من جهة اللفظ ، وثانيا وجه تخصيص الزانية بالذكر في الآية الأولى ، وذكرهما معا في الآية الثانية : « وَالَّذانِ يَأْتِيانِها مِنْكُمْ ».
وقد عزي إلى أبي مسلم المفسر أن الآية الأولى لبيان حكم السحق بين النساء ، والآية الثانية تبين حكم اللواط بين الرجال ، والآيتان غير منسوختين.
وفساده ظاهر : أما في الآية الأولى فلما ذكرناه في الكلام على قوله : ( وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفاحِشَةَ مِنْ نِسائِكُمْ ) ، وأما في الآية الثانية فلما ثبت في السنة من أن الحد في اللواط القتل ، وقد صح عن النبي صلىاللهعليهوآله أنه قال : من عمل منكم عمل قوم لوط فاقتلوا الفاعل والمفعول ، وهذا إما حكم ابتدائي غير منسوخ ، وإما حكم ناسخ لحكم الآية ، وعلى أي حال يبطل قوله.
ومن الممكن : أن يقال في معنى الآيتين نظرا إلى الظاهر السابق إلى الذهن من الآيتين ، والقرائن المحفوف بها الكلام ، وما تقدم من الإشكال فيما ذكروه من المعنى ـ والله أعلم ـ : إن الآية متضمنة لبيان حكم زنا المحصنات ذوات الأزواج ، ويدل عليه تخصيص الآية النساء بالذكر دون الرجال ، وإطلاق النساء على الأزواج شائع في اللسان وخاصة إذا أضيفت إلى الرجال كما في قوله : نسائكم ، قال تعالى : ( وَآتُوا النِّساءَ صَدُقاتِهِنَّ نِحْلَةً ) : « النساء : ٤ » وقال تعالى : ( مِنْ نِسائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَ ) : « النساء : ٢٣ ».
وعلى هذا فقد كان الحكم الأولي المؤجل لهن الإمساك في البيوت ثم شرع لهن الرجم ، وليس نسخا للكتاب بالسنة على ما استدل به الجبائي فإن السنخ إنما هو رفع الحكم الظاهر بحسب الدليل في التأبيد ، وهذا حكم مقرون بما يشعر بأنه مؤجل