وسيرة قومية فهو الخطر الذي فيه هلاك النوع وفساد الأرض ، وهو الذي يحكيه تعالى عن اليهود إذ قالوا : ( لَيْسَ عَلَيْنا فِي الْأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ ) : « آل عمران : ٧٥ ».
فما كان لبشر أن يذكر لنفسه من الفضيلة ما يمدحها به سواء كان صادقا فيما يقول أو كاذبا لأنه لا يملك ذلك لنفسه لكن الله سبحانه لما كان هو المالك لما ملكه ، والمعطي الفضل لمن يشاء وكيف يشاء كان له أن يزكي من شاء تزكية عملية بإعطاء الفضل وإفاضة النعمة ، وأن يزكي من يشاء تزكية قولية يذكره بما يمتدح به ، ويشرفه بصفات الكمال كقوله في آدم ونوح : ( إِنَّ اللهَ اصْطَفى آدَمَ وَنُوحاً ) : « آل عمران : ٣٣ » ، وقوله في إبراهيم وإدريس : ( إِنَّهُ كانَ صِدِّيقاً نَبِيًّا ) : « مريم : ٤١ ، ٥٦ » ، وقوله في يعقوب : ( وَإِنَّهُ لَذُو عِلْمٍ لِما عَلَّمْناهُ ) : « يوسف : ٦٨ » ، وقوله في يوسف : ( إِنَّهُ مِنْ عِبادِنَا الْمُخْلَصِينَ ) : « يوسف : ٢٤ » ، وقوله في حق موسى : ( إِنَّهُ كانَ مُخْلَصاً وَكانَ رَسُولاً نَبِيًّا ) : « مريم : ٥١ » ، وقوله في حق عيسى : ( وَجِيهاً فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ ) : « آل عمران : ٤٥ » ، وقوله في سليمان وأيوب : ( نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ ) : « ـ ص : ٣٠ ، ٤٤ » ، وقوله في محمد صلىاللهعليهوآله : ( إِنَّ وَلِيِّيَ اللهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتابَ وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ ) : « الأعراف : ١٩٦ » ، وقوله : ( وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ ) : « القلم : ٤ » ، وكذا قوله تعالى في حق عدة من الأنبياء ذكرهم في سور الأنعام ومريم والأنبياء والصافات وص وغيرها.
وبالجملة فالتزكية لله سبحانه حق لا يشاركه فيه غيره إذ لا يصدر عن غيره إلا من ظلم وإلى ظلم ، ولا يصدر عنه تعالى إلا حقا وعدلا يقدر بقدره لا يفرط ولا يفرط ، ولذا ذيل قوله : بل الله يزكي من يشاء بقوله ـ وهو في معنى التعليل ـ : ( وَلا يُظْلَمُونَ فَتِيلاً ).
وقد تبين مما مر أن تزكيته تعالى وإن كانت مطلقة تشمل التزكية العملية والتزكية القولية لكنها تنطبق بحسب مورد الكلام على التزكية القولية.
قوله تعالى : « وَلا يُظْلَمُونَ فَتِيلاً » الفتيل فعيل بمعنى المفعول من الفتل وهو اللي قيل : المراد به ما يكون في شق النواة ، وقيل : هو ما في بطن النواة ، وقد ورد في روايات عن أئمة أهل البيت عليهالسلام : أنه النقطة التي على النواة ، والنقير ما في ظهرها ، والقطمير قشرها ، وقيل : هو ما فتلته بين إصبعيك من الوسخ ، وكيف كان هو كناية عن الشيء الحقير الذي لا يعتد به.
وقد بان بالآية الشريفة أمران : أحدهما : أن ليس لصاحب الفضل أن يعجبه