الفشل؟ فجميع من هناك كان يخطر ببالهم ذلك ، ولا معنى لذكر مثل ذلك في القصة قطعا ، ولا يسمى ذلك هما في اللغة ، أم تصورا معه شيء من التصديق ، وخطورا فيه شوب قصد؟ كما يدل عليه ظهور حالهما عند غيرهما ، ولو كان مجرد خطور من غير أي أثر لم يظهر أنهما همتا بالفشل ، على أن ذكر ولاية الله لهم ووجوب التوكل على المؤمن إنما يلائم هذا الهم دون مجرد الخطور ، على أن قوله : ( وَاللهُ وَلِيُّهُما ) ، ليس مدحا بل لوم وعظة على ما يعطيه السياق كما مر.
ولعل منشأ هذا الكلام ما روي عن جابر بن عبد الله الأنصاري أنه قال : فينا نزلت ، وما أحب أنها لم تكن ، لقوله : ( وَاللهُ وَلِيُّهُما ) ففهم من الرواية أن جابرا فهم من الآية المدح.
ولو صحت الرواية فإنما يريد جابر أن الله تعالى قبل إيمانهم وصدق كونهم مؤمنين حيث عد نفسه وليا لهم ، والله ولي الذين آمنوا والذين كفروا أولياؤهم الطاغوت ، لا أن الجملة واقعة موقع المدح في هذا السياق الظاهر في العتاب.
قوله تعالى : « وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ » إلى آخر الآية ظاهر السياق أن تكون الآية مسوقة سوق الشاهد لتتميم العتاب وتأكيده فتكون تؤدي معنى الحال كقوله : ( وَاللهُ وَلِيُّهُما ) ، والمعنى : وما كان ينبغي أن يظهر منكم الهم بالفشل وقد نصركم الله ببدر وأنتم أذلة ، وليس من البعيد أن يكون كلاما مستقلا سيق مساق الامتنان بذكر نصر عجيب من الله بإنزال الملائكة لإمدادهم ونصرهم يوم بدر.
ولما ذكر تعالى نصره إياهم يوم بدر وقابل ذلك بما هم عليه من الحال ـ ومن المعلوم أن كل من اعتز فإنما يعتز بنصر الله وعونه فليس للإنسان من قبل نفسه إلا الفقر والذلة ـ ولذلك قال : ( وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ ).
ومن هنا يعلم أن قوله : ( وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ ) لا ينافي أمثال قوله تعالى : ( وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ ) : المنافقون : ـ ٨ فإن عزتهم إنما هي بعزة الله ، قال تعالى : ( فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً ) : النساء : ـ ١٣٩ وذلك بنصر الله المؤمنين كما قال تعالى : ( وَلَقَدْ أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ رُسُلاً إِلى قَوْمِهِمْ فَجاؤُهُمْ بِالْبَيِّناتِ فَانْتَقَمْنا مِنَ الَّذِينَ أَجْرَمُوا وَكانَ حَقًّا عَلَيْنا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ ) : الروم : ـ ٤٧ فإذا كان الحال هذا الحال فلو اعتبر حال المؤمنين من حيث