أنفسهم لم يكن لهم إلا الذلة.
على أن واجهة حال المؤمنين أيضا يوم بدر كانت تقضي بكونهم أذلة قبال ما كان عليه المشركون من القوة والشوكة والزينة ، ولا ضير في إضافة الذلة النسبية إلى الأعزة وقد أضافها الله سبحانه إلى قوم مدحهم كل المدح حيث قال : ( فَسَوْفَ يَأْتِي اللهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكافِرِينَ ) : الآية « المائدة : ـ ٥٤ ».
قوله تعالى : « إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَلَنْ يَكْفِيَكُمْ » ، الإمداد من المد وهو إيصال المدد على نعت الاتصال.
قوله تعالى : « بَلى إِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هذا » ، بلى كلمة تصديق والفور والفوران : الغليان يقال : فار القدر إذا غلا وجاش ، ثم أستعير للسرعة والعجلة فاستعمل في الأمر الذي لا ريث فيه ولا مهلة فمعنى من فورهم هذا من ساعتهم هذه.
والظاهر أن مصداق الآية هو يوم بدر ، وإنما هو وعد على الشرط وهو ما يتضمنه قوله : ( إِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هذا ).
وأما ما يظهر من بعض المفسرين أنه وعد بإنزال الملائكة إن جاءوهم بعد فورهم هذا يعني يوم بدر بأن يكون المراد ( مِنْ فَوْرِهِمْ هذا ) هو يوم بدر لا في يوم بدر ، وكذا ما يظهر من بعض آخر أنه وعد بإنزالهم في سائر الغزوات بعد بدر كأحد وحنين والأحزاب فمما لا دليل عليه من لفظ الآية.
أما يوم أحد فلا محل لاستفادة نزول الملائكة فيه من الآيات وهو ظاهر ، وأما يوم الأحزاب ويوم حنين فالقرآن وإن كان يصرح بنزول الملائكة فيهما فقد قال في قصة الأحزاب : ( إِذْ جاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِيحاً وَجُنُوداً لَمْ تَرَوْها ) : « الأحزاب : ـ ٩ » وقال : ( وَيَوْمَ حُنَيْنٍ ) « إلى أن قال : ( وَأَنْزَلَ جُنُوداً لَمْ تَرَوْها ) : « التوبة : ـ ٢٦ » إلا أن لفظ هذه الآية : ( بَلى إِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هذا ) ، قاصر عن إفادة عموم الوعد.
وأما نزول ثلاثة آلاف يوم بدر فلا ينافي قوله تعالى في سورة الأنفال : ( فَاسْتَجابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ ) : « الأنفال : ـ ٩ » لمكان قوله : ( مُرْدِفِينَ ) أي متبعين لآخرين وهم الألفان الباقيان المكملان للعدد على ما ذكر في هذه الآيات.