ثلاثة ، فإن المسيح عبد لله لن يستنكف أبدا عن عبادته ، وهذا مما لا ينكره النصارى ، والأناجيل الدائرة عندهم صريحة في أنه كان يعبد الله تعالى ، ولا معنى لعبادة الولد الذي هو سنخ إله ولا لعبادة الشيء لنفسه ولا لعبادة أحد الثلاثة لثالثها الذي ينطبق وجوده على كل منها ، وقد تقدم الكلام على هذا البرهان في مباحث المسيح عليهالسلام.
وقوله « وَلَا الْمَلائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ » تعميم للكلام على الملائكة لجريان الحجة بعينها فيهم وقد قال جماعة من المشركين ـ كمشركي العرب ـ : بكونهم بنات الله فالجملة استطرادية.
والتعبير في الآية أعني قوله « لَنْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْداً لِلَّهِ وَلَا الْمَلائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ » عن عيسى عليهالسلام بالمسيح ، وكذا توصيف الملائكة بالمقربين مشعر بالعلية لما فيهما من معنى الوصف ، أي إن عيسى لن يستنكف عن عبادته وكيف يستنكف وهو مسيح مبارك؟ ولا الملائكة وهم مقربون؟ ولو رجي فيهم أن يستنكفوا لم يبارك الله في هذا ولا قرب هؤلاء ، وقد وصف الله المسيح أيضا بأنه مقرب في قوله : « وَجِيهاً فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ » : ( آل عمران : ٤٥ ).
قوله تعالى : « وَمَنْ يَسْتَنْكِفْ عَنْ عِبادَتِهِ وَيَسْتَكْبِرْ فَسَيَحْشُرُهُمْ إِلَيْهِ جَمِيعاً » حال.
من المسيح والملائكة وهو في موضع التعليل أي وكيف يستنكف المسيح والملائكة المقربون عن عبادته والحال أن الذين يستنكفون عن عبادته ويستكبرون من عباده من الإنس والجن والملائكة يحشرون إليه جميعا ، فيجزون حسب أعمالهم ، والمسيح والملائكة يعلمون ذلك ويؤمنون به ويتقونه.
ومن الدليل على أن قوله : « وَمَنْ يَسْتَنْكِفْ عَنْ عِبادَتِهِ وَيَسْتَكْبِرْ » (إلخ) في معنى أن المسيح والملائكة المقربين عالمون بأن المستنكفين يحشرون إليه قوله « وَيَسْتَكْبِرْ » إنما قيد به قوله « وَمَنْ يَسْتَنْكِفْ » لأن مجرد الاستنكاف لا يوجب السخط الإلهي إذا لم يكن عن استكبار كما في الجهلاء والمستضعفين ، وأما المسيح والملائكة فإن استنكافهم لا يكون إلا عن استكبار لكونهم عالمين بمقام ربهم ، ولذلك اكتفى بذكر الاستنكاف فحسب فيهم ، فيكون معنى تعليل هذا بقوله : « وَمَنْ يَسْتَنْكِفْ عَنْ عِبادَتِهِ وَيَسْتَكْبِرْ » ، أنهم عالمون بأن من يستنكف عن عبادته ( إلخ ».
وقوله « جَمِيعاً » أي صالحا وطالحا وهذا هو المصحح للتفضيل الذي يتلوه من قوله :