الأمور المحسوسة أولا ثم أستعير فعمم للأمور المعنوية كعقود المعاملات الدائرة بينهم من بيع أو إجارة أو غير ذلك ، وكجميع العهود والمواثيق فأطلقت عليها الكلمة لثبوت أثر المعنى الذي عرفت أنه اللزوم والالتزام فيها.
ولما كان العقد ـ وهو العهد ـ يقع على جميع المواثيق الدينية التي أخذها الله من عباده من أركان وأجزاء كالتوحيد وسائر المعارف الأصلية والأعمال العبادية والأحكام المشروعة تأسيسا أو إمضاء ، ومنها عقود المعاملات وغير ذلك ، وكان لفظ العقود أيضا جمعا محلى باللام لا جرم كان الأوجه حمل العقود في الآية على ما يعم كل ما يصدق عليه أنه عقد.
وبذلك يظهر ضعف ما ذكره بعض المفسرين أن المراد بالعقود العقود التي يتعاقدها الناس بينهم كعقد البيع والنكاح والعهد ، أو يعقدها الإنسان على نفسه كعقد اليمين.
وكذا ما ذكره بعض آخر : أن المراد بها العهود التي كان أهل الجاهلية عاهد بعضهم بعضا فيها على النصرة والمؤازرة على من يقصدهم بسوء أو يبغي عليهم ، وهذا هو الحلف الدائر بينهم.
وكذا ما ذكره آخرون : أن المراد بها المواثيق المأخوذة من أهل الكتاب بالعمل بما في التوراة والإنجيل فهذه وجوه لا دليل على شيء منها من جهة اللفظ. على أن ظاهر الجمع المحلى باللام وإطلاق العقد عرفا بالنسبة إلى كل عقد وحكم لا يلائمها ، فالحمل على العموم هو الأوجه.
( كلام في معنى العقد )
يدل الكتاب كما ترى من ظاهر قوله تعالى : « أَوْفُوا بِالْعُقُودِ » على الأمر بالوفاء بالعقود ، وهو بظاهره عام يشمل كل ما يصدق عليه العقد عرفا مما يلائم الوفاء. والعقد هو كل فعل أو قول يمثل معنى العقد اللغوي ، وهو نوع ربط شيء بشيء آخر بحيث يلزمه ولا ينفك عنه كعقد البيع الذي هو ربط المبيع بالمشتري ملكا بحيث كان له أن يتصرف فيه ما شاء ، وليس للبائع بعد العقد ملك ولا تصرف ، وكعقد النكاح الذي يربط المرأة بالرجل بحيث له أن يتمتع منها تمتع النكاح ، وليس للمرأة أن تمتع غيره من نفسها ، وكالعهد