« وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ » : ( البقرة : ١٨٥ ) فإن هذا العدد يترتب الأثر على بعضه كما يترتب على كله ، ويقال : تم لفلان أمره وكمل عقله : ولا يقال تم عقله وكمل أمره.
وأما الفرق بين الإكمال والتكميل ، وكذا بين الإتمام والتتميم فإنما هو الفرق بين بابي الإفعال والتفعيل ، وهو أن الإفعال بحسب الأصل يدل على الدفعة والتفعيل على التدريج ، وإن كان التوسع الكلامي أو التطور اللغوي ربما يتصرف في البابين بتحويلهما إلى ما يبعد من مجرى المجرد أو من أصلهما كالإحسان والتحسين ، والإصداق والتصديق ، والإمداد والتمديد والإفراط والتفريط ، وغير ذلك ، فإنما هي معان طرأت بحسب خصوصيات الموارد ثم تمكنت في اللفظ بالاستعمال.
وينتج ما تقدم أن قوله : « أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي » يفيد أن المراد بالدين هو مجموع المعارف والأحكام المشرعة وقد أضيف إلى عددها اليوم شيء وإن النعمة أيا ما كانت أمر معنوي واحد كأنه كان ناقصا غير ذي أثر فتمم وترتب عليه الأثر المتوقع منه.
والنعمة بناء نوع وهي ما يلائم طبع الشيء من غير امتناعه منه ، والأشياء وإن كانت بحسب وقوعها في نظام التدبير متصلة مرتبطة متلائما بعضها مع بعض ، وأكثرها أو جميعها نعم إذا أضيفت إلى بعض آخر مفروض كما قال تعالى : « وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللهِ لا تُحْصُوها » : ( إبراهيم : ٣٤ ) وقال : « وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظاهِرَةً وَباطِنَةً » : ( لقمان : ٢٠ ).
إلا أنه تعالى وصف بعضها بالشر والخسة واللعب واللهو وأوصاف أخر غير ممدوحة كما قال : « وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّما نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ إِنَّما نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدادُوا إِثْماً وَلَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ » : ( آل عمران : ١٧٨ ) ، وقال : « وَما هذِهِ الْحَياةُ الدُّنْيا إِلَّا لَهْوٌ وَلَعِبٌ وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوانُ » : ( العنكبوت : ٦٤ ) ، وقال : « لا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلادِ مَتاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهادُ » : ( آل عمران : ١٩٧ ) إلى غير ذلك.
والآيات تدل على أن هذه الأشياء المعدودة نعما إنما تكون نعمة إذا وافقت الغرض الإلهي من خلقتها لأجل الإنسان فإنها إنما خلقت لتكون إمدادا إلهيا للإنسان يتصرف فيها في سبيل سعادته الحقيقية ، وهي القرب منه سبحانه بالعبودية والخضوع للربوبية ، قال