والموقوذة والمتردية والنطيحة وما أكل السبع ، وكان القائل منهم يقول : ما لكم تأكلون مما قتلتموه ولا تأكلون مما قتله الله؟! كما ربما يتفوه بمثله اليوم كثيرون؟ يقول قائلهم : ما الفارق بين اللحم واللحم إذا لم يتضرر به بدن الإنسان ولو بعلاج طبي فنى فجهاز التغذي لا يفرق بين هذا وذاك.
وكانت العرب أيضا تأكل الدم ، كانوا يملئون المعى من الدم ويشوونه ويطعمونه الضيف ، وكانوا إذا أجدبوا جرحوا إبلهم بالنصال وشربوا ما ينزل من الدم ، وأكل الدم رائج اليوم بين كثير من الأمم غير المسلمة.
وأهل الصين من الوثنية أوسع منهم سنة ، فهم ـ على ما ينقل ـ يأكلون أصناف الحيوان حتى الكلب والهر وحتى الديدان والأصداف وسائر الحشرات.
وقد أخذ الإسلام في ذلك طريقا وسطا فأباح من اللحوم ما تستطيعه الطباع المعتدلة من الإنسان ، ثم فسره في ذوات الأربع بالبهائم كالضأن والمعز والبقر والإبل على كراهية في بعضها كالفرس والحمار ، وفي الطير ـ بغير الجوارح ـ مما له حوصلة ودفيف ولا مخلب له ، وفي حيوان البحر ببعض أنواع السمك على التفصيل المذكور في كتب الفقه.
ثم حرم دماءها وكل ميتة منها وما لم يذك بالإهلال به لله عز اسمه ، والغرض في ذلك أن تحيا سنة الفطرة ، وهي إقبال الإنسان على أصل أكل اللحم ، ويحترم الفكر الصحيح والطبع المستقيم اللذين يمتنعان من تجويز ما فيه الضرر نوعا ، وتجويز ما يستقذر ويتنفر منه.
٢ ـ كيف أمر بقتل الحيوان والرحمة تأباه؟ ربما يسأل السائل فيقول إن الحيوان ذو روح شاعرة بما يشعر به الإنسان من ألم العذاب ومرارة الفناء والموت وغريزة حب الذات التي تبعثنا إلى الحذر من كل مكروه والفرار من ألم العذاب والموت تستدعي الرحمة لغيرنا من أفراد النوع لأنه يؤلمهم ما يؤلمنا ، ويشق عليهم ما يشق علينا ، والنفوس سواء.
وهذا القياس جار بعينه في سائر أنواع الحيوان ، فكيف يسوغ لنا أن نعذبهم بما نتعذب به ، ونبدل لهم حلاوة الحياة من مرارة الموت ، ونحرمهم نعمة البقاء التي هي أشرف نعمة؟ والله سبحانه أرحم الراحمين فكيف يسع رحمته أن يأمر بقتل حيوان ليلتذ به إنسان وهما جميعا في أنهما خلقه سواء؟.