وصف الإيقان بمشاهدة الملكوت ، وقال تعالى : « كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ ثُمَّ لَتَرَوُنَّها عَيْنَ الْيَقِينِ » : ( التكاثر : ٧ ) وقال تعالى : « إِنَّ كِتابَ الْأَبْرارِ لَفِي عِلِّيِّينَ وَما أَدْراكَ ما عِلِّيُّونَ كِتابٌ مَرْقُومٌ يَشْهَدُهُ الْمُقَرَّبُونَ » : ( المطففين : ٢١ ) وليطلب البحث المستوفى في هذا المعنى مما سيجيء من الكلام في قوله تعالى : « إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ » الآية : ( المائدة : ٥٥ ) وفي قوله تعالى : « يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ » الآية : ( المائدة : ١٠٥ ).
ولا ينافي ثبوت هذه الحقيقة ما قدمناه أن القرآن الكريم يؤيد طريق التفكر الفطري الذي فطر عليه الإنسان وبني عليه بنية الحياة الإنسانية ، فإن هذا طريق غير فكري ، وموهبة إلهية يختص بها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين.
( بحث تاريخي )
ننظر فيه نظرا إجماليا في تاريخ التفكير الإسلامي والطريق الذي سلكته الأمة الإسلامية على اختلاف طوائفها ومذاهبها ، ولا نلوي فيه إلى مذهب من المذاهب بإحقاق أو إبطال ، وإنما نعرض الحوادث الواقعة على منطق القرآن ونحكمه في الموافقة والمخالفة ، وأما ما باهى به موافق وما اعتذر به مخالف فلا شأن لنا في الغور في أصوله وجذوره ، فإنما ذلك طريق آخر من البحث مذهبي أو غيره.
القرآن الكريم يتعرض بمنطقه في سنته المشروعة لجميع شئون الحياة الإنسانية من غير أن تتقيد بقيد أو تشترط بشرط ، يحكم على الإنسان منفردا أو مجتمعا ، صغيرا أو كبيرا ، ذكرا أو أنثى ، على الأبيض والأسود ، والعربي والعجمي ، والحاضر والبادي ، والعالم والجاهل ، والشاهد والغائب ، في أي زمان كان وفي أي مكان كان ويداخل كل شأن من شئونه من اعتقاد أو خلق أو عمل من غير شك.
فللقرآن اصطكاك مع جميع العلوم والصناعات المتعلقة بأطراف الحياة الإنسانية ومن الواضح اللائح من خلال آياته النادبة إلى التدبر والتفكر والتذكر والتعقل أنه يحث حثا بالغا على تعاطي العلم ورفض الجهل في جميع ما يتعلق بالسماويات والأرضيات والنبات والحيوان والإنسان ، من أجزاء عالمنا وما وراءه من الملائكة والشياطين واللوح والقلم وغير ذلك ليكون ذريعة إلى معرفة الله سبحانه ، وما يتعلق نحوا من التعلق بسعادة