سنة ست من الهجرة فدعا رسول الله صلىاللهعليهوآله أسيد بن حصين وقال له : اذهب في نفر من أصحابك حتى تنظر ما أقدم أشجع.
فخرج أسيد ومعه ثلاثة نفر من أصحابه فوقف عليهم فقال : ما أقدمكم؟ فقام إليه مسعود بن رجيلة وهو رئيس أشجع فسلم على أسيد وعلى أصحابه فقالوا : جئنا لنوادع محمدا ، فرجع أسيد إلى رسول الله صلىاللهعليهوآله فأخبره ، فقال رسول الله صلىاللهعليهوآله : خاف القوم أن أغزوهم فأرادوا الصلح بيني وبينهم. ثم بعث إليهم بعشرة أحمال تمر فقدمها أمامه ، ثم قال : نعم الشيء الهدية أمام الحاجة ، ثم أتاهم فقال : يا معشر أشجع ما أقدمكم؟ قالوا : قربت دارنا منك ، وليس في قومنا أقل عددا منا فضقنا لحربك لقرب دارنا منك ، وضقنا لحرب قومنا لقلتنا فيهم فجئنا لنوادعكم ، فقبل النبي صلىاللهعليهوآله منهم ووادعهم فأقاموا يومهم ثم رجعوا إلى بلادهم ، وفيهم نزلت هذه الآية « إِلَّا الَّذِينَ يَصِلُونَ إِلى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثاقٌ ـ إلى قوله ـ فَما جَعَلَ اللهُ لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلاً ».
وفي الكافي ، بإسناده عن الفضل أبي العباس عن أبي عبد الله عليهالسلام : في قول الله عز وجل « أَوْ جاؤُكُمْ حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ أَنْ يُقاتِلُوكُمْ أَوْ يُقاتِلُوا قَوْمَهُمْ » قال : نزلت في بني مدلج ، لأنهم جاءوا إلى رسول الله صلىاللهعليهوآله فقالوا : إنا قد حصرت صدورنا أن نشهد إنك لرسول الله ، فلسنا معكم ولا مع قومنا عليك ، قال : قلت : كيف صنع بهم رسول الله صلىاللهعليهوآله ، قال : وادعهم إلى أن يفرغ من العرب ، ثم يدعوهم فإن أجابوا ، وإلا قاتلهم.
وفي تفسير العياشي ، عن سيف بن عميرة قال : سألت أبا عبد الله عليهالسلام ـ « أَنْ يُقاتِلُوكُمْ أَوْ يُقاتِلُوا قَوْمَهُمْ وَلَوْ شاءَ اللهُ لَسَلَّطَهُمْ عَلَيْكُمْ فَلَقاتَلُوكُمْ » قال : كان أبي يقول : نزلت في بني مدلج اعتزلوا فلم يقاتلوا النبي صلىاللهعليهوآله ، ولم يكونوا مع قومهم. قلت : فما صنع بهم؟ قال : لم يقاتلهم النبي صلىاللهعليهوآله حتى فرغ من عدوه ، ثم نبذ إليهم على سواء. قال : و « حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ » هو الضيق.
وفي المجمع : المروي عن أبي جعفر عليهالسلام أنه قال : المراد بقوله تعالى « قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثاقٌ » هو هلال بن عويمر السلمي واثق عن قومه رسول الله صلىاللهعليهوآله ، وقال في موادعته : على أن لا نخيف يا محمد من أتانا ولا تخيف من أتاك ـ فنهى الله أن يتعرض لأحد عهد إليهم.