أن يعتقد الإنسان أن له إلها هو الذي منه بدئ كل شيء وإليه يعود كل شيء ؛ له الأسماء الحسنى والأمثال العليا ، ثم يجري في الحياة ويعيش بأعمال تحاكي بنفسها عبوديته وعبودية كل شيء عنده لله الحق عز اسمه ، وبذلك يسري التوحيد في باطنه وظاهره ، وتظهر العبودية المحضة من أقواله وأفعاله وسائر جهات وجوده ظهورا لا ستر عليه ولا حجاب يغطيه.
فالأدب الإلهي ـ أو أدب النبوة ـ هي هيئة التوحيد في الفعل.
٤ ـ [ الأدب إنما ينتج مع العمل ] من المعلوم بالقياس ويؤيده التجربة القطعية أن العلوم العملية ـ وهي التي تتعلم ليعمل بها ـ لا تنجح كل النجاح ولا تؤثر أثرها الجميل دون أن تلقى إلى المتعلم في ضمن العمل ، لأن الكليات العلمية ما لم تنطبق على جزئياتها ومصاديقها تتثاقل النفس في تصديقها والإيمان بصحتها لاشتغال نفوسنا طول الحياة بالجزئيات الحسية وكلالها بحسب الطبع الثانوي من مشاهدة الكليات العقلية الخارجة عن الحس فالذي صدق حسن الشجاعة في نفسها بحسب النظر الخالي عن العمل ثم صادف موقفا من المواقف الهائلة التي تطير فيها القلوب أدى به ذلك إلى النزاع بين عقله الحاكم بحسن الشجاعة ووهمه الجاذب إلى لذة الاحتراز من تعرض الهلكة الجسمانية وزوال الحياة المادية الناعمة فلا تزال النفس تتذبذب بين هذا وذاك ، وتتحير في تأييد الواحد من الطرفين المتخاصمين ، والقوة في جانب الوهم لأن الحس معه.
فمن الواجب عند التعليم أن تتلقى المتعلم الحقائق العلمية مشفوعة بالعمل حتى يتدرب بالعمل ويتمرن عليه لتزول بذلك الاعتقادات المخالفة الكائنة في زوايا نفسه ويرسخ التصديق بما تعلمه في النفس ، لأن الوقوع أحسن شاهد على الإمكان.
ولذلك نرى أن العمل الذي لم تعهد النفس وقوعه في الخارج يصعب انقيادها له فإذا وقع لأول مرة بدا كأنه انقلب من امتناع إلى إمكان وعظم أمر وقوعه وأورث في النفس قلقا واضطرابا ، ثم إذا وقع ثانيا وثالثا هان أمره وانكسر سورته والتحق بالعاديات التي لا يعبأ بأمرها ، وإن الخير عادة كما أن الشر عادة.
ورعاية هذا الأسلوب في التعليمات الدينية وخاصة في التعليم الديني الإسلامي من أوضح الأمور فلم يأخذ شارع الدين في تعليم مؤمنيه بالكليات العقلية والقوانين العامة