العبادة عليه ، وهذا هو أدبهم بالنسبة إلى ربهم ، وقال : « (وَقالُوا ما لِهذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْواقِ لَوْ لا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيراً ، أَوْ يُلْقى إِلَيْهِ كَنْزٌ أَوْ تَكُونُ لَهُ جَنَّةٌ يَأْكُلُ مِنْها ـ إلى أن قال ـ وَما أَرْسَلْنا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعامَ وَيَمْشُونَ فِي الْأَسْواقِ) » : الفرقان : ٢٠ فذكر أن سيرة الأنبياء جميعا وهو أدبهم الإلهي هو الاختلاط بالناس ورفض التحجب والاختصاص والتميز من بين الناس فكل ذلك مما تدفعه الفطرة ، وهذا أدبهم في الناس.
٦ ـ [ أدب الأنبياء المحكي في القرآن تفصيلا ] من أدب الأنبياء عليهمالسلام في توجيههم الوجوه إلى ربهم ودعائهم إياه ما حكاه الله تعالى من قول آدم عليهالسلام وزوجته : « رَبَّنا ظَلَمْنا أَنْفُسَنا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنا وَتَرْحَمْنا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ » : الأعراف : ٢٣ كلمة قالاها بعد ما أكلا من الشجرة التي نهاهما الله أن يقربا منها ، وإنما كان نهي إرشاد ليس بالمولوي ، ولم يعصياه عصيان تكليف بل كان ذلك منهما مخالفة نصيحة في رعايتها صلاح حالهما ، وسعادة حياتهما في الجنة الأمنة من كل شقاء وعناء ، وقد قال لهما ربهما في تحذيرهما عن متابعة إبليس : « فَلا يُخْرِجَنَّكُما مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقى ، إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيها وَلا تَعْرى ، وَأَنَّكَ لا تَظْمَؤُا فِيها وَلا تَضْحى » : طه : ١١٩.
فلما وقعا في المحنة وشملتهما البلية ، وأخذت سعادة الحياة يوادعهما وداع ارتحال لم يشتغلا بأنفسهما اشتغال اليائس البائس ، ولم يقطع القنوط ما بينهما وبين ربهما من السبب الموصول بل بادرا إلى الالتجاء بالله الذي إليه أمرهما ، وبيده كل خير يأملانه لأنفسهما فأخذا وتعلقا بصفة ربوبيته المشتملة على كل ما يدفع به الشر ويجلب به الخير ، فالربوبية هي الصفة الكريمة يربط العبد بالله سبحانه.
ثم ذكرا الشر الذي يهددهما بظهور آياته وهو الخسران ـ كأنهما اشتريا لذة الأكل بطاعة الإرشاد الإلهي فبان لهما أن سعادتهما قد أشرفت بذلك على الزوال ـ في الحياة ، وذكرا حاجتهما إلى ما يدفع هذا الشر عنهما فقالا : « وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنا وَتَرْحَمْنا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ » أي إن خسران الحياة يهددنا وقد أطل بنا وما له من دافع إلا مغفرتك للذنب الصادر عنا وغشيانك إيانا بعد ذلك برحمتك وهي السعادة لما أن الإنسان بل كل موجود مصنوع يشعر بفطرته المغروزة أن من شأن الأشياء الواقعة في منزل الوجود