وإذ كان كذلك وكان من حق قوانين الحياة أن تبتني على أساس البنية الطبيعية كان من الواجب أن يعيش الإنسان حرا في نفسه وحرا في عمله ، ومن هذا الثدي يرتضع إلغاء الاستعباد.
لكن ينبغي لنا أن نتأمل هذه الحرية الموهوبة للإنسان هل هي في المجتمع الإنساني على إطلاقها منذ ولدت وعاشت في البنى الإنسانية؟.
فلم يزل النوع الإنساني ـ فيما نعلم ـ يعيش في حال الاجتماع ولا يسعه بحسب جهازه الوجودي إلا ذلك ، ومن المحال أن يدوم مجتمع في حال الاجتماع ولو حينا ما إلا مع سنة مشتركة بين أفراد المجتمع سواء كانت سنة عادلة تعقلية أو سنة جائرة أو مجازفة أو بأي وصف اتصفت ، وهذه السنة كيفما كانت تحدد الحرية الفردية.
على أن الإنسان لا يتأتى له أن يعيش إلا مع تصرف ما في المادة يضمن له البقاء ولا يتأتى له ذلك إلا بأن يختص بما يتصرف فيه نوعا من الاختصاص الذي نسميه بالملك ـ أعم من الحق والملك المصطلح عليه ـ فالذي يلبسه هذا حين يلبس لا يسع لذاك أن يلبسه والذي يأكله فرد أو يشربه أو يشغله بالتمكن فيه لا يمكن لغيره أن يستقل به ، وليس ذلك إلا تحديدا لغير المتصرف في إطلاق إرادته ، وتقييدا لحريته.
ولم يزل الاختلاف يلازم هذا النوع منذ سكن الأرض فلم يمض على هؤلاء الأفراد المنتشرة في رحب الأرض يوم إلا وتطلع فيه الشمس على اختلافات ، وتغيب عن اختلافات تسير بهم إلى فناء نفوس وضيعة أعراض وانتهاب أموال ، ولو كان الإنسان يرى لنفسه ـ أي للإنسانية ـ حرية مطلقة لم يكن لهذه الاختلافات بينهم أثر.
وسنة المجازاة والمؤاخذة لم تزل دائرة معمولة بين المجتمعات المتنوعة مدنية كانت أو همجية ، ولا معنى للمجازاة إلا أن يملك المجتمع من الإنسان المجرم بعض ما وهبه له الخلقة من النعم ، وأن يسلب عنه بعض الحرية فلو لا أن المجتمع أو من بيده الأمر في المجتمع يملك من المجرم القاتل المحكوم بالقصاص حياته لما وسعه أن يسلبها عنه ، ولو لا أن الإثم المأخوذ بإثمه المؤاخذ بأنواع التعذيب والنكاية كالقطع والضرب والحبس وغيره ذلك يملك الحكم والإجراء منه ما يسلبه من شئون الحياة أو الراحة أو السلطة المالية لما صح ذلك ، وكيف يصح منع الجائر المتعدي أن يجور ويتعدى ولا الذب عن حريم