نفس أو عرض أو مال إلا مع سلب بعض حرية المتغلب الممنوع؟.
وبالجملة فمما لا يشك فيه ذو مسكة أن بقاء الحرية الإنسانية على إطلاقها في المجتمع الإنساني ولو لحظة يوجب اختلال النظام الاجتماعي من وقته فهذا الاجتماع الذي هو أيضا فطري للإنسان ولا يعيش بدونه هو يقيد إطلاق الحرية الفطرية التي وهبته للإنسان إرادته وشعوره الغريزيان فلا يتأتى لمجتمع إنساني أن يعيش إلا مع تقييد ما لإطلاق الحرية كما لا يتأتى له أن يعيش مع بطلان الحرية من أصلها ، ولم يزل المجتمع الإنساني يحفظ بين الحدين هذه الحرية التي يخيل لنا من كثرة التبليغات الغربية أنهم هم الذين خلقوا اسمها بعد ما اخترعوا معناها ، وحفظوها على إطلاقها.
فهذا الاجتماع الفطري هو الذي يقيد تلك الحرية الفطرية ويحددها على حد تقييد القوى الطبيعية البدنية وغير البدنية بعضها ؛ بعضا فيقف البعض عن الفعل اعتناء بشأن بعض آخر يزامله كقوة الإبصار التي هي مبدأ للإبصار على الإطلاق تفعل فعلها حتى تكل لامسة العين أو تتعب القوة المفكرة فتقف الباصرة عن فعلها تقيدا بفعل مزاملها ، والذائقة تلتذ بالتقام الغذاء اللذيذ وازدراده وبلعه حتى تكل عضلات الفك فتقيد الذائقة فتكف عن مشتهاها.
فالاجتماع الفطري لا يتم للإنسان إلا بأن يجود ببعض حريته في العمل واسترساله في التمتع.
١٠ ـ ما مقدار التحديد : وأما المقدار الذي تحدد به الحرية الموهوبة من قبل الاجتماع الفطري ويتقيد به إطلاقها الفطري فهو يختلف باختلاف المجتمعات الإنسانية بحسب كثرة القوانين الدائرة المعتبرة في المجتمع وقلتها فإن المقيد للحرية بعد أصل الاجتماع إنما هو القانون المجرى بين الناس فكلما زادت القوانين ودقت في رقوب أعمالهم زاد الحرمان من الحرية والاسترسال وكلما نقصت نقص.
لكن الذي لا مناص عنه في أي اجتماع لأي مجتمع فرض ، والواجب الذي ليس في وسع الإنسان الاجتماعي أن يستهين به ويتساهل في أمره : هو حفظ وجود الاجتماع وكونه إذ لا حياة للإنسان دونه ، وحفظ السنن الدائرة والقوانين الجارية فيه من النقص والانتقاض ، ولذلك لست تجد مجتمعا من المجتمعات البشرية إلا وفيه جهة دفاعية