سواء كان عقابا أو ثوابا إنما يوزن بزنتها.
فمما لا محيص عنه في بحثنا هذا هو البحث عن الذنب واختلاف مراتبه ، والتأمل فيما يهدي إليه العقل الفطري فإن البحث وإن كان قرآنيا يراد به الحصول على ما يراه الكتاب الإلهي في هذه الحقائق غير أنه تعالى على ما بين في كلامه يكلمنا على قدر عقولنا وبالموازين الفطرية التي نزن بها الأشياء في مرحلتي النظر والعمل ، وقد مرت الإشارة إليه في موارد من الأبحاث الموضوعة في هذا الكتاب ، وقد استمد تعالى في موارد من بياناته بالعقل والفكر الإنساني ، وأيد به مقاصد كلامه فقال تعالى : (أَفَلا تَعْقِلُونَ). (أَفَلا تَتَفَكَّرُونَ) ، وما في معناهما.
والذي يفيده الاعتبار الصحيح هو أن أول ما يتعلق به ويحترمه المجتمع الإنساني هو الأحكام العملية والسنن المحترمة التي تحفظ بالعمل بها والمداومة عليها مقاصده الإنسانية وتهديه إلى سعادته في الحياة ، ثم تضع أحكاما جزائية يجازى على طبقها المتخلف العاصي عن القوانين الاجتماعية ويثاب المطيع الممتثل.
وفي هذه المرحلة لا يسمى باسم الذنب إلا التخلف عن متون القوانين العملية ، وتحاذي الذنوب لا محالة في عددها عدد مواد الأحكام الاجتماعية ، وهذا هو المغروز المركوز في أذهاننا معاشر المسلمين أيضا من معنى لفظ الذنب والألفاظ التي تقارنه في المعنى كالسيئة والمعصية والإثم والخطيئة والحوب والفسق ونحوها.
لكن الأمر لا يقف على هذا الحد فإن الأحكام العملية إذا عمل بها وروقبت وتحفظ عليها ساق المجتمع إلى أخلاق وأوصاف مناسبة لها ملائمة لمقاصد المجتمع التي هي غاية اجتماعهم ، وهذه الأخلاق هي التي يسميها المجتمع بالفضائل الإنسانية ويحرص ويحرض عليها ، وتقابلها الرذائل.
وهي وإن كانت مختلفة باختلاف السنن والمقاصد في المجتمعات إلا أن أصل إنتاج الأحكام الاجتماعية لها مما لا سبيل إلى سدة وإعفائها عنه.
وهذه الأخلاق الفاضلة وإن كانت أوصافا روحية لا ضامن لإجرائها في مقام العمل في المجتمعات ، وكانت غير اختيارية بلا واسطة لكونها ملكات لكنها لكونها في تحققها تتبع تكرر العمل بالأحكام المقررة في المجتمع أو تكرر التخلف عن العمل كانت نفس