قائمة الکتاب

إعدادات

في هذا القسم، يمكنك تغيير طريقة عرض الكتاب
بسم الله الرحمن الرحيم

الميزان في تفسير القرآن [ ج ٦ ]

365/381
*

العمل بالأحكام ضامنة لإجرائها وتعد اختيارية باختيارية مقدمتها وهي تكرر العمل ، وتتصور في مواردها أوامر عقلية متعلقه بالأخلاق الفاضلة كالشجاعة والعفة والعدالة ، ونواه عقلية تردع عن الأخلاق الرذيلة كالجبن والتهور والخمود والشره والظلم ، وكذا يتصور لها عقاب وثواب يسميان بالعقاب والثواب العقليين كالمدح والذم.

وبالجملة تتحقق بذلك مرتبة من مراتب الذنب فوق المرتبة السابق ذكرها ، وهي مرتبة التخلف عن الأحكام الخلقية والأوامر العقلية المتعلقة بها.

ولم تعد هذه الأوامر العقلية أوامر إلا من جهة التلازم بين الأعمال الواجبة التي تسوق إليها وبينها ، فهناك حاكم يحكم بالوجوب ويأمر به وهو العقل الإنساني ونظيره القول في تسمية النواهي ، العقلية نواهي وهذا دأبنا في جميع موارد التلازم فإذا فرضنا العمل بأحد المتلازمين لا نلبث دون أن نأمر بإتيان الآخر ووجوبه ، ونرى التخلف عن ذلك عصيانا لهذا الأمر العقلي ، وذنبا يستحق به نوع من المؤاخذة.

ويظهر من هنا أمر آخر وهو أن هذه الفضائل لما كانت مشتملة على واجبات لا محيص عن التلبس بها ـ ومثله اشتمال الرذائل على المحرمات ـ وعلى أمور مندوبة مستحبة هي كالزينة والهيأة الجميلة فيها ـ وهي الآداب الحسنة التي تتعلق بها أوامر عقلية استحسانية إلا أنها إذا فرضت ظرفا لأحد منا كان ما يلازمها من الآداب وهي مندوبة في نفسها ـ مأمورا به عقلا أمرا إيجابيا قضاء لحق الظرفية المفروضة ، مثال ذلك أن البدوي العائش عيشة العشائر البدوية لما كان ظرف حياته بعيدا من المستوي المتوسط في الحياة الحضرية لا يؤاخذ إلا بالضروريات من أحكام المجتمع والسنن العامة التي يناله عقله وفهمه ، وربما أتى بالوقيح من الأعمال أو الركيك من الأقوال فيغمض عنه الحضري معتذرا بقصور الفهم وبعد الدار من السواد الأعظم الذي تكرر مشاهدة الرسوم والآداب فيه أحسن معلم للناس القاطنين فيه.

ثم المتوسط من الناس الحضريين لا يؤاخذ بما يؤاخذ به الآحاد النوادر من المجتمع الذين هم أهل الفهم اللطيف والأدب الظريف ولا عذر فيما يقع من المتوسط من الناس من ترك دقائق الأدب وظرائف القول والفعل إلا أن فهمه على قدر ما يأتي به ، لا يشعر من لوازم الأدب بأزيد مما يأتي به وظرفه هو ظرفه.