وما يأتي به مما لا ينبغي هو مما يؤاخذ به الأوحديون من الرجال فربما يؤاخذون بلحن خفي في كلام أو بتبطؤ يسير في حركة أو بتفويت آن غير محسوس في سكون أو التفات أو غمض عين ونحو ذلك فيعد ذلك كله ذنبا منهم ، وليس من الذنب بمعنى مخالفة المواد القانونية دينية كانت أو دنيوية ، وقد اشتهر بينهم : أن حسنات الأبرار سيئات المقربين.
وكلما دق المسلك ولطف المقام ظهرت هنالك خفايا من الذنوب كانت قبل تحقق هذا الظرف مغفولا عنها لا يحس بها الإنسان المكلف بالتكاليف ، ولا يؤاخذ بها ولي المؤاخذة والمحاسبة.
وينتهي ذلك ـ فيما يعطيه البحث الدقيق ـ إلى الأحكام الناشئة في ظرفي الحب والبغض فترى عين المبغض ـ وخاصة في حال الغضب ـ عامة الأعمال الحسنة سيئة مذمومة ، ويرى المحب إذا تاه في الغرام واستغرق في الوله أدنى غفلة قلبية عن محبوبه ذنبا عظيما وإن اهتم بعمل الجوارح بتمام أركانه ، وليس إلا أنه يرى أن قيمة أعماله في سبيل الحب على قدر توجه نفسه وانجذاب قلبه إلى محبوبه فإذا انقطع عنه بغفلة قلبية فقد أعرض عن المحبوب وانقطع عن ذكره وأبطل طهارة قلبه بذلك.
حتى أن الاشتغال بضروريات الحياة من أكل وشرب ونحوهما يعد عنده من الاجرام والعصيان نظرا إلى أن أصل الفعل وإن كان من الضروري الذي يضطر إليه الإنسان لكن كل واحد واحد من هذه الأفعال الاضطرارية من حيث أصله اختياري في نفسه ، والاشتغال به اشتغال بغير المحبوب وإعراض عنه اختيارا وهو من الذنب ، ولذلك نرى أهل الوله والغرام وكذا المحزون الكئيب ومن في عداد هؤلاء يستنكفون عن الاشتغال بأكل أو شرب أو نحوهما.
وعلى نحو من هذا القبيل ينبغي أن يحمل ما ربما يروى عنه صلىاللهعليهوآله من قوله : « إنه ليغان على قلبي فأستغفر الله كل يوم سبعين مرة » ، وعليه يمكن أن يحمل بوجه قوله تعالى : « وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكارِ » : المؤمن : ٥٥ وقوله : « فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كانَ تَوَّاباً » : النصر : ٣.
وعليه يحمل ما حكى تعالى عن عدة من أنبيائه الكرام كقول نوح : « (رَبِّ اغْفِرْ لِي