مِنْ سَبِيلٍ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) » : التوبة : ٩١ ، إلى غير ذلك.
وقال تعالى في البلايا والمصائب التي تصيب الناس : « وَما أَصابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِما كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ » : الشورى : ٣٠.
وينكشف بذلك أن صفة العفو والمغفرة منه تعالى كصفتي الرحمة والهداية تتعلق بالأمور التكوينية والتشريعية جميعا فهو تعالى يعفو عن الذنوب والمعاصي فيمحوها من صحيفة الأعمال ، ويعفو عن الحكم الذي له مقتض يقتضي وضعه فيمحوه فلا يشرعه ، ويعفو عن البلايا والمصائب وأسبابها قائمة فيمحوها فلا تصيب الإنسان.
٦ ـ رابطة العمل والجزاء : قد عرفنا فيما تقدم من البحث أن الأوامر والنواهي العقلائية ـ القوانين الدائرة بينهم ـ تستعقب آثارا جميلة حسنة على امتثالها وهي الثواب ، وآثارا سيئة على مخالفتها والتمرد منها تسمى عقابا ، وأن ذلك كالحيلة يحتالون بها إلى العمل بها ، فجعلهم الجزاء الحسن للامتثال إنما هو ليكون مشوقا للعامل ، والجزاء السيئ على المخالفة ليكون العامل على خوف وحذر من التمرد.
ومن هنا يظهر أن الرابطة بين العمل والجزاء رابطة جعلية وضعية من المجتمع أو من ولي الأمر ، دعاهم إلى هذا الجعل حاجتهم الشديدة إلى العمل ليستفيدوا منه ويرفعوا به الحاجة ويسدوا به الخلة ، ولذلك تراهم إذا استغنوا وارتفعت حاجتهم إلى العمل ساهلوا في الوفاء على ما تعهدوا به من ثواب وعقاب.
ولذلك أيضا ترى الجزاء يختلف كثرة وقلة والأجر يتفاوت شدة وضعفا باختلاف الحاجة إلى العمل فكلما زادت الحاجة زاد الأجر وكلما نقصت نقص ؛ فالأمر والمأمور والمكلف والمكلف بمنزلة البائع والمشتري كل منهما يعطي شيئا ويأخذ شيئا.
والأجر والثواب بمنزلة الثمن ، والعقاب بمنزلة الدرك على من أتلف شيئا فضمن قيمته واستقرت في ذمته.
وبالجملة فهو أمر وضعي اعتباري نظير سائر العناوين والأحكام والموازين الاجتماعية التي يدور عليها رحى الاجتماع الإنساني كالرئاسة والمرئوسية والأمر والنهي والطاعة والمعصية والوجوب والحرمة والملك والمال والبيع والشراء وغير ذلك ، وإنما الحقائق