إلى باب النجاشي ـ فقالوا : استأذن لأولياء الله ـ فقال : ائذن لهم فمرحبا بأولياء الله ـ فلما دخلوا عليه سلموا ، فقال الرهط من المشركين : ألم تر أيها الملك أنا صدقناك ، وأنهم لم يحيوك بتحيتك التي تحيا بها؟ فقال لهم : ما يمنعكم أن تحيوني بتحيتي؟ قالوا : إنا حييناك ـ بتحية أهل الجنة وتحية الملائكة.
فقال لهم : ما يقول صاحبكم في عيسى وأمه؟ قالوا : يقول : عبد الله ورسوله ـ وكلمة من الله وروح منه ألقاها إلى مريم ، ويقول في مريم : أنها العذراء الطيبة البتول ؛ قال : فأخذ عودا من الأرض فقال : ما زاد عيسى وأمه على ما قال صاحبكم هذا العود ، فكره المشركون قوله وتغير له وجوههم.
فقال : هل تقرءون شيئا مما أنزل عليكم؟ قالوا : نعم ، قال : فاقرءوا ـ فقرءوا ـ وحوله القسيسون والرهبان وسائر النصارى ـ فجعلت طائفة من القسيسين والرهبان ـ كلما قرءوا آية انحدرت دموعهم مما عرفوا من الحق ـ قال الله : « ذلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْباناً ـ وَأَنَّهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ ، وَإِذا سَمِعُوا ما أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ ـ تَرى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ ».
أقول : وروى القمي في تفسيره ، : القصة مفصلة في خبر طويل ، وفي آخره : ورجعوا إلى النجاشي ـ فأخبروه خبر رسول الله صلىاللهعليهوآله ـ وقرءوا عليه ما قرأ عليهم ـ فبكى النجاشي وبكى القسيسون ، وأسلم النجاشي ولم يظهر للحبشة إسلامه ، وخافهم على نفسه فخرج من بلاد الحبشة إلى النبي صلىاللهعليهوآله ـ فلما عبر البحر توفي ، الحديث ـ.
(كلام في معنى التوحيد في القرآن)
لا يرتاب الباحث المتعمق في المعارف الكلية أن مسألة التوحيد من أبعدها غورا ، وأصعبها تصورا وإدراكا ، وأعضلها حلا لارتفاع كعبها عن المسائل العامة العامية التي تتناولها الأفهام ، والقضايا المتداولة التي تألفها النفوس ، وتعرفها القلوب.
وما هذا شأنه تختلف العقول في إدراكه والتصديق به للتنوع الفكري الذي فطر عليه الإنسان من اختلاف أفراده من جهة البنية الجسمية وأداء ذلك إلى اختلاف أعضاء الإدراك في أعمالها ثم تأثير ذلك الفهم والتعقل من حيث الحدة والبلادة ،