فالمعنى : أنا أرينا إبراهيم ملكوت السماوات والأرض فبعثه ذلك أن حاج أباه وقومه في أمر الأصنام وكشف له ضلالهم ، وكنا نمده بهذه العناية والموهبة وهي إراءة الملكوت وكان على هذه الحال حتى جن عليه الليل ورأى كوكبا.
وبذلك يظهر أن ما يتراءى من بعضهم : أن قوله : « وَكَذلِكَ نُرِي » إلخ ، كالمعترضة لا يرتبط بما قبله ولا بما بعده ، وكذا قول بعضهم : إن إراءة الملكوت أول ما ظهر من أمرها في إبراهيم عليهالسلام أنه لما جن عليه الليل رأى كوكبا إلخ ، فاسد لا ينبغي أن يصار إليه.
وأما ملكوت السماوات والأرض فالملكوت هو الملك مصدر كالطاغوت والجبروت وإن كان آكد من حيث المعنى بالنسبة إلى الملك كالطاغوت والجبروت بالنسبة إلى الطغيان والجبر أو الجبران.
والمعنى الذي يستعمله فيه القرآن هو المعنى اللغوي بعينه من غير تفاوت كسائر الألفاظ المستعملة في كلامه تعالى غير أن المصداق غير المصداق وذلك أن الملك والملكوت وهو نوع من السلطنة إنما هو فيما عندنا معنى افتراضي اعتباري بعثنا إلى اعتباره الحاجة الاجتماعية إلى نظم الأعمال والأفراد نظما يؤدي إلى الأمن والعدل والقوة الاجتماعيات وهو في نفسه يقبل النقل والهبة والغصب والتغلب كما لا نزال نشاهد ذلك في المجتمعات الإنسانية.
وهذا المعنى على أنه وضعي اعتباري وإن أمكن تصويره في مورده تعالى من جهة أن الحكم الحق في المجتمع البشري لله سبحانه كما قال تعالى : « إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ » : ( الأنعام : ٥٧ ) وقال : « لَهُ الْحَمْدُ فِي الْأُولى وَالْآخِرَةِ وَلَهُ الْحُكْمُ » : ( القصص : ٧٠ ) لكن تحليل معنى هذا الملك الوضعي يكشف عن ثبوت ذلك في الحقائق ثبوتا غير قابل للزوال والانتقال كما أن الواحد منا يملك نفسه بمعنى أنه هو الحاكم المسلط المتصرف في سمعه وبصره وسائر قواه وأفعاله بحيث إن سمعه إنما يسمع وبصره إنما يبصر بتبع إرادته وحكمه لا بتبع إرادة غيره من الأناسي وحكمه وهذا معنى حقيقي لا نشك في تحققه فينا مثلا تحققا لا يقبل الزوال والانتقال كما عرفت فالإنسان يملك قوى نفسه وأفعال نفسه وهي جميعا تبعات وجوده قائمة به غير مستقلة عنه ولا مستغنية عنه فالعين إنما تبصر