وأجنه وجن عليه : فجنه ستره ، وأجنه جعل له ما يجنه كقولك : قبرته وأقبرته وسقيته وأسقيته ، وجن عليه كذا ستر عليه قال عز وجل : ( فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأى كَوْكَباً ) ، انتهى. فجن الليل إسداله الظلام لا مجرد ما يحصل بغروب الشمس.
وقوله : « فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ » تفريع على ما تقدم من نفيه ألوهية الأصنام بما يرتبطان بقوله : « وَكَذلِكَ نُرِي إِبْراهِيمَ مَلَكُوتَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ » ومحصل المعنى على ذلك أنا كنا نريه الملكوت من الأشياء فأبطل ألوهية الأصنام إذ ذاك ، ودامت عليه الحال فلما جن عليه الليل رأى كوكبا قال كذا وكذا.
وقوله : « رَأى كَوْكَباً » كأن تنكير الكوكب إنما هو لنكتة راجعة إلى مرحلة الإخبار والتحدث فلا غرض في الكلام يتعلق بتعيين هذا الكوكب وأنه أي كوكب كان من السيارات أو الثوابت لأن الذي أخذه في الحجاج يجري في أي كوكب من الكواكب يطلع ويغرب لا أن إبراهيم عليهالسلام أشار إلى كوكب ما من الكواكب من غير أن يمتاز بأي مميز مفروض : أما أولا فلأن اللفظ لا يساعده فلا يقال لمن أشار إلى كوكب بين كواكب لا تحصى كثرة فقال : هذا ربي : إنه رأى كوكبا قال هذا ربي ، وأما ثانيا فلأن ظاهر الآيات أنه كان هناك قوم يعبدون الكوكب الذي أشار إليه وقال فيه ما قال ، والصابئون ما كانوا يعبدون أي كوكب ولا يحترمون إلا السيارات.
والذي يؤيده الاعتبار أنه كان كوكب الزهرة ، وذلك لأن الصابئين ما كانوا يحترمون وينسبون حوادث العالم الأرضي إلا إلى سبعة من الأجرام العلوية التي كانوا يسمونها بالسيارات السبع : القمر ، وعطارد ، والزهرة ، والشمس ، والمريخ ، والمشتري ، وزحل وإنما كان أهل الهند هم الذين يحترمون النجوم الثوابت وينسبون الحوادث إليها ، ونظيرهم في ذلك بعض أرباب الطلسمات ووثنية العرب وغيرهم.
فالظاهر أن الكوكب كان أحد السبعة والقمر والشمس مذكوران بعد ، وعطارد مما لا يرى إلا شاذا لضيق مداره فقد كان أحد الأربعة : الزهرة ، والمريخ والمشتري ، وزحل ، والزهرة من بينها هي الكوكبة الوحيدة التي يمنعها ضيق مدارها أن تبتعد من الشمس أكثر من سبع وأربعين درجة ، ولذلك كانت كالتابعة الملازمة للشمس فأحيانا تتقدمها فتطلع قبيل طلوعها وتسمى عند العامة حينئذ نجمة الصباح ثم تغيب بعد