ومعمول يلبسون محذوف ، وربما استفيد من ذلك العموم والتقدير يلبس الكفار على أنفسهم أعم من لبس البعض على نفسه ، ولبس البعض على البعض الآخر.
أما لبسهم على غيرهم فكما يلبس علماء السوء الحق بالباطل لجهلة مقلديهم وكما يلبس الطواغيت المتبعون لضعفة أتباعهم الحق بالباطل كقول فرعون فيما حكى الله لقومه : « يا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهذِهِ الْأَنْهارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي أَفَلا تُبْصِرُونَ أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِنْ هذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلا يَكادُ يُبِينُ ، فَلَوْ لا أُلْقِيَ عَلَيْهِ أَسْوِرَةٌ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ جاءَ مَعَهُ الْمَلائِكَةُ مُقْتَرِنِينَ ، فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطاعُوهُ » : ( الزخرف : ٥٤ ) وقوله : « ما أُرِيكُمْ إِلَّا ما أَرى وَما أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشادِ » : ( المؤمن : ٢٩ ).
وأما لبسهم على أنفسهم فهو بتخييلهم إلى أنفسهم أن الحق باطل وأن الباطل حق ثم تماديهم على الباطل فإن الإنسان وإن كان يميز الحق من الباطل فطرة الله التي فطر الناس عليها ، وكان تلهم نفسه فجورها وتقواها غير أن تقويته جانب الهوى وتأييده روح الشهوة والغضب من نفسه تولد في نفسه ملكة الاستكبار عن الحق ، والاستعلاء على الحقيقة فتنجذب نفسه إليه ، وتغتر بعمله ، ولا تدعه يلتفت إلى الحق ويسمع دعوته ، وعند ذاك يزين له عمله ، ويلبس الحق بالباطل وهو يعلم كما قال تعالى : « أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ وَأَضَلَّهُ اللهُ عَلى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلى بَصَرِهِ غِشاوَةً » : ( الجاثية : ٢٣ ) وقال : « قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمالاً الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً » : ( الكهف : ١٠٤ ).
وهذا هو المصحح لتصوير ضلال الإنسان في أمر مع علمه به فلا يرد عليه أن لبس الإنسان على نفسه الحق بالباطل إقدام منه على الضرر المقطوع وهو غير معقول.
على أنا لو تعمقنا في أحوال أنفسنا ثم أخذنا بالنصفة عثرنا على عادات سوء نقضي بمساءتها لكنا لسنا نتركها لرسوخ العادة وليس ذلك إلا من الضلال على علم ، ولبس الحق بالباطل على النفس والتلهي باللذة الخيالية والتوله إليها عن التثبت على الحق والعمل به ، أعاننا الله تعالى على مرضاته.
وعلى أي حال فقوله تعالى : « وَلَوْ جَعَلْناهُ مَلَكاً لَجَعَلْناهُ رَجُلاً » إلخ ، الجواب عن