« وَلَوْ جَعَلْناهُ مَلَكاً لَجَعَلْناهُ رَجُلاً وَلَلَبَسْنا عَلَيْهِمْ ما يَلْبِسُونَ ».
فظهر مما تقدم من التوجيه أولا أن الملازمة بين جعل الرسول ملكا وجعله رجلا إنما هي من جهة إيجاب الحكمة حفظ الاختيار الإنساني في الدعوة الدينية الإلهية إذ لو أنزل الملك على صورته السماوية وبدل الغيب شهادة كان من الإلجاء الذي لا تستقيم معه الدعوة الاختيارية.
وثانيا : أن الذي تدل عليه الآية هو صيرورة الملك رجلا مع السكوت عن كون ذلك هل هو بقلب ماهية الملكية إلى الماهية الإنسانية ـ الذي ربما يحيله عدة من الباحثين ـ أو بتمثيله مثالا إنسانيا كتمثل الروح لمريم بشرا سويا ، وتمثل الملائكة الكرام لإبراهيم ولوط عليهالسلام في صورة الضيفين من الآدميين.
وجل الآيات الواردة في مورد الملائكة وإن كان يؤيد الثاني من الوجهين لكن قوله تعالى : « وَلَوْ نَشاءُ لَجَعَلْنا مِنْكُمْ مَلائِكَةً فِي الْأَرْضِ يَخْلُفُونَ » : ( الزخرف : ٦٠ ) لا يخلو عن دلالة ما على الوجه الأول ، وللبحث ذيل ينبغي أن يطلب من محل آخر.
وثالثا : أن قوله تعالى : « وَلَلَبَسْنا عَلَيْهِمْ ما يَلْبِسُونَ » من قبيل قوله تعالى : « فَلَمَّا زاغُوا أَزاغَ اللهُ قُلُوبَهُمْ » : ( الصف : ٥ ) فهو إضلال إلهي لهم بعد ما استحبوا الضلال لأنفسهم من غير أن يكون إضلالا ابتدائيا غير لائق بساحة قدسه سبحانه.
ورابعا : أن متعلق يلبسون المحذوف أعم يشمل لبسهم على أنفسهم ولبس بعضهم على بعض.
وخامسا : أن محصل الآية احتجاج عليهم بأنه لو أنزل عليهم ملك بالرسالة لم ينفعهم ذلك في رفع حيرتهم فإن الله جاعل الملك عندئذ رجلا يماثل الرسول البشري وهم لابسون على أنفسهم معه متشككون فإنهم لا يريدون بهذه المسألة إلا أن يتخلصوا من الرسول البشري الذي هو في صورة رجل ليبدلوا بذلك شكهم يقينا وإذا صار الملك على هذا النعت ـ ولا محالة ـ فهم لا ينتفعون بذلك شيئا.
وسادسا : أن في التعبير : « لَجَعَلْناهُ رَجُلاً » ولم يقل : لجعلناه بشرا ليشمل الرجل والمرأة جميعا إشعارا ـ كما قيل ـ بأن الرسول لا يكون إلا رجلا كما أن التعبير لا يخلو