أهل سدوم وما والاه مهد الفحشاء التي لم يسبقهم إليها أحد من العالمين حتى إذا شملهم الهلاك لم يوجد فيهم غير بيت المسلمين وهو من بيت لوط خلا امرأته.
وأما اليسع فلم يذكر له في القرآن قصة ، وإنما ورد في بعض الروايات أنه كان وصي إلياس وقد أتى قومه بما أتى به عيسى بن مريم عليهالسلام من إحياء الموتى وإبراء الأكمه والأبرص وقد ابتلى الله قومه بالسنة والقحط العظيم.
فالأحسن أن يتمم الوجه المذكور لترتيب الأسماء المعدودة في الآية بأن يقال : إن الطائفة الأولى المذكورين ـ وهم ستة ـ اختصوا بالملك والرئاسة مع الرسالة ، والطائفة الثانية ـ وهم أربعة ـ امتازوا بالزهد في الدنيا والإعراض عن زخارفها ، والطائفة الثالثة ـ وهم أربعة ـ أولو خصائص مختلفة ومحن إلهية عظيمة يختص كل بشيء من المميزات والله أعلم.
ثم إن الذي ذكره في أثناء كلامه من تفضيل موسى وهارون على أيوب ويوسف ، وتفضيلهما على داود وسليمان بما ذكره من الوجه ، وكذا جعله الصلاح بمعنى الزهد والإحسان كل ذلك ممنوع لا دليل عليه.
قوله تعالى : « وَمِنْ آبائِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَإِخْوانِهِمْ » هذا التعبير يؤيد ما قدمناه أن المراد بيان اتصال سلسلة الهداية حيث أضاف الباقين إلى المذكورين بأنهم متصلون بهم بأبوة أو بنوة أو أخوة.
قوله تعالى : « وَاجْتَبَيْناهُمْ وَهَدَيْناهُمْ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ » قال الراغب في المفردات : ، يقال : جبيت الماء في الحوض جمعته والحوض الجامع له جابية وجمعها « جواب » قال الله تعالى : ( وَجِفانٍ كَالْجَوابِ ) ، ومنه أستعير جبيت الخراج جباية ومنه قوله تعالى : ( يُجْبى إِلَيْهِ ثَمَراتُ كُلِّ شَيْءٍ ) ، والاجتباء الجمع على طريق الاصطفاء قال عز وجل : ( فَاجْتَباهُ رَبُّهُ ).
قال : واجتباء الله العبد تخصيصه إياه بفيض إلهي يتحصل له منه أنواع من النعم بلا سعي من العبد ، وذلك للأنبياء وبعض من يقارنهم من الصديقين والشهداء كما قال تعالى : ( وَكَذلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ ) ، ( فَاجْتَباهُ رَبُّهُ فَجَعَلَهُ مِنَ الصَّالِحِينَ ) ( وَاجْتَبَيْناهُمْ وَهَدَيْناهُمْ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ ) وقوله تعالى : ( ثُمَّ اجْتَباهُ رَبُّهُ فَتابَ عَلَيْهِ وَهَدى ) ، وقال عز وجل : ( يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ ) ، انتهى.