ولعل هذا النوع من الكتاب ينقسم إلى كتاب واحد عام حفيظ لجميع الحوادث والموجودات ، وكتاب خاص بكل موجود موجود يحفظ به حاله في الوجود كما يشعر به الآيتان الأخيرتان وسائر الآيات الكريمة التي تشاكلهما.
ومنها : الكتب التي يتطرق إليها التغيير ويداخلها المحو والإثبات كما يدل عليه قوله تعالى : « يَمْحُوا اللهُ ما يَشاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتابِ » : ( الرعد : ٣٩ ) واستيفاء البحث عن كل قسم من أقسام هذه الكتب موكول إلى المحل الذي يناسبه من الكتاب والله المستعان.
( كلام في معنى الحكم في القرآن )
الأصل في مادة الحكم بحسب ما يتحصل من موارد استعمالاتها هو المنع ، وبذلك سمي الحكم المولوي حكما لما أن الأمر يمنع به المأمور عن الإطلاق في الإرادة والعمل ويلجمه أن يقع على كل ما تهواه نفسه ، وكذا الحكم بمعنى القضاء يمنع مورد النزاع من أن يتزلزل بالمنازعة والمشاجرة أو يفسد بالتعدي والجور ، وكذا الحكم بمعنى التصديق يمنع القضية من تطرق الشك إليه ، والأحكام والاستحكام يشعران عن حال في الشيء يمنعه من دخول ما يفسده بين أجزائه أو استيلاء الأمر الأجنبي في داخله ، والأحكام يقابل بوجه التفصيل الذي هو جعل الشيء فصلا فصلا يبطل بذلك التئام أجزائه وتوحدها قال تعالى : « كِتابٌ أُحْكِمَتْ آياتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ » : ( هود : ١ ) وإلى ذلك يعود معنى المحكم الذي يقابل المتشابه.
قال الراغب في المفردات : ، حكم أصله منع منعا لإصلاح ، ومنه سميت اللجام حكمة الدابة ( بفتحتين ) فقيل : حكمته ، وحكمت الدابة منعتها بالحكمة ، وأحكمتها جعلت لها حكمة ، وكذلك حكمت السفينة وأحكمتها قال الشاعر : « أبني حنيفة أحكموا سفهاءكم ». انتهى.
والحكم إذا نسب إلى الله سبحانه فإن كان في تكوين أفاد معنى القضاء الوجودي وهو الإيجاد الذي يساوق الوجود الحقيقي والواقعية الخارجية بمراتبها قال تعالى : « وَاللهُ يَحْكُمُ لا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ » : ( الرعد : ٤١ ).