عن عبادته لأنه وكيل عليكم غير غافل عن نظام أعمالكم.
وأما قوله : « لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ » فهو لدفع الدخل الذي يوهمه قوله : « وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ » بحسب ما تتلقاه أفهام المشركين الساذجة والخطاب معهم ، وهو أنه إذا صار وكيلا عليهم كان أمرا جسمانيا كسائر الجسمانيات التي تتصدى الأعمال الجسمانية فدفعه بأنه تعالى لا تدركه الأبصار لتعاليه عن الجسمية ولوازمها ، وقوله : « وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصارَ » دفع لما يسبق إلى أذهان هؤلاء المشركين الذين اعتادوا بالتفكر المادي ، وأخلدوا إلى الحس والمحسوس وهو أنه تعالى إذا ارتفع عن تعلق الأبصار به خرج عن حيطة الحس والمحسوس وبطل نوع الاتصال الوجودي الذي هو مناط الشعور والعلم ، وانقطع عن مخلوقاته فلا يعلم بشيء كما لا يعلم به شيء ، ولا يبصر شيئا كما لا يبصره شيء فأجاب تعالى عنه بقوله : « وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصارَ » ثم علل هذه الدعوى بقوله : « وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ » واللطيف هو الرقيق النافذ في الشيء ، والخبير من له الخبرة ، فإذا كان تعالى محيطا بكل شيء بحقيقة معنى الإحاطة كان شاهدا على كل شيء لا يفقده ظاهر شيء من الأشياء ولا باطنه ، وهو مع ذلك ذو علم وخبرة كان عالما بظواهر الأشياء وبواطنها من غير أن يشغله شيء عن شيء أو يحتجب عنه شيء بشيء فهو تعالى يدرك البصر والمبصر معا ، والبصر لا يدرك إلا المبصر.
وقد نسب إدراكه إلى نفس الأبصار دون أولي الأبصار لأن الإدراك الموجود فيه تعالى ليس من قبيل إدراكاتنا الحسية حق يتعلق بظواهر الأشياء من أعراضها كالبصر مثلا الذي يتعلق بالأضواء والألوان ويدرك به القرب والبعد والعظم والصغر والحركة والسكون بنحو بل الأغراض وموضوعاتها بظواهرها وبواطنها حاضرة عنده مكشوفة له غير محجوبة عنه ولا غائبة فهو تعالى يجد الأبصار بحقائقها وما عندها وليست تناله.
ففي الآيتين من سطوح البيان وسهولة الطريق وإيجاز القول ما يحير اللب وهما مع ذلك تهديان المتدبر فيهما إلى أسرار دونها أستار.
( كلام في عموم الخلقة وانبساطها على كل شيء )
قوله تعالى : « ذلِكُمُ اللهُ رَبُّكُمْ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ » ظاهره وعموم الخلقة لكل شيء وانبساط إيجاده تعالى على كل ما له نصيب من الوجود والتحقق ، وقد تكرر