تعالى جهات الحاجة والنقص التي تلازم هذه الصفات بحسب وجودها في مصاديقها.
فالعلم في الإنسان مثلا إحاطة حضورية بالمعلوم من طريق انتزاع الصورة وأخذها بقوى بدنية من الخارج والذي يليق بساحته أصل معنى الإحاطة الحضورية ، وأما كونه من طريق أخذ الصورة المحوج إلى وجود المعلوم في الخارج قبلا ، وإلى آلات بدنية مادية مثلا فهو من النقص الذي يجب تنزيهه تعالى منه ، وبالجملة نثبت له أصل المعنى الثبوتي ونسلب عنه خصوصية المصداق المؤدية إلى النقص والحاجة.
ثم لما كنا نفينا عنه كل نقص وحاجة. ومن النقص أن يكون الشيء محدودا بحد منتهيا بوجوده إلى نهاية فإن الشيء لا يحد نفسه وإنما يحده غيره الذي يقهره بضرب الحد والنهاية له ، ولذلك نفينا عنه كل حد ونهاية فليس سبحانه محدودا في ذاته بشيء ولا في صفاته بشيء وقد قال تعالى : « وَهُوَ الْواحِدُ الْقَهَّارُ » : الرعد : ١٦ فله الوحدة التي تقهر كل شيء من قبله فتحيط به.
ومن هنا قضينا أن صفاته تعالى عين ذاته ، وكل صفة عين الصفة الأخرى ، فلا تمايز إلا بحسب المفهوم ، ولو كان علمه غير قدرته مثلا ، وكل منهما غير ذاته كما فينا معاشر الإنسان مثلا لكان كل منها يحد الآخر والآخر ينتهي إليه فكان محدود وحد ومتناه ونهاية فكان تركيب وفقر إلى حاد يحدها غيره ، تعالى عن ذلك وتقدس ، وهذه صفة أحديته تعالى لا ينقسم من جهة من الجهات ، ولا يتكثر في خارج ولا في ذهن.
ومما تقدم يظهر فساد قول من قال : إن معاني صفاته تعالى ترجع إلى النفي رعاية لتنزيهه عن صفات خلقه فمعنى العلم والقدرة والحياة هناك عدم الجهل والعجز والموت ، وكذا في سائر الصفات العليا ، وذلك لاستلزامه نفي جميع صفات الكمال عنه تعالى ، وقد عرفت أن سلوكنا الفطري يدفع ذلك ، وظواهر الآيات الكريمة تنافيه : ونظيره القول بكون صفاته زائدة على ذاته أو نفي الصفات وإثبات آثارها وغير ذلك مما قيل في الصفات فكل ذلك مدفوعة بما تقدم من كيفية سلوكنا الفطري ، ولتفصيل البحث عن بطلانها محل آخر.
٣ ـ الانقسامات التي لها : يظهر مما قدمناه من كيفية السلوك الفطري أن من صفات الله سبحانه ما يفيد معنى ثبوتيا كالعلم والحياة وهي المشتملة على معنى الكمال ،