هذا ما يفيده التأمل في كرائم الآيات ، وللمفسرين فيها أقاويل مختلفة تعلم بالرجوع إلى مطولات التفاسير لا جدوى في نقلها والتعرض المنقض والإبرام فيها.
قوله تعالى : « إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذا ذُكِرَ اللهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ » إلى آخر الآيتين الآيتان والتي بعدهما بيان ما يتميز به المؤمنون بحقيقة الإيمان ويختصون به من الأوصاف الكريمة والثواب الجزيل بينت ليتأكد به ما يشتمل عليه قوله تعالى : « فَاتَّقُوا اللهَ وَأَصْلِحُوا ذاتَ بَيْنِكُمْ » إلى آخر الآية.
وقد ذكر الله تعالى لهم خمس صفات اختارها من بين جميع صفاتهم التي ذكرها في كلامه لكونها مستلزمة لكرائم صفاتهم على كثرتها وملازمة لحق الإيمان ، وهي بحيث إذا تنبهوا لها وتأملوها كان ذلك مما يسهل لهم توطين النفس على التقوى وإصلاح ذات بينهم ، وإطاعة الله ورسوله.
وهاتيك الصفات الخمس هي : وجل القلب عند ذكر الله ، وزيادة الإيمان عند استماع آيات الله ، والتوكل ، وإقامة الصلاة ، والإنفاق مما رزقهم الله ، ومعلوم أن الصفات الثلاث الأول من أعمال القلوب ، والأخيرتان من أعمال الجوارح.
وقد روعي في ذكرها الترتيب الذي بينها بحسب الطبع ، فإن نور الإيمان إنما يشرق على القلب تدريجا ، فلا يزال يشتد ويضاعف حتى يتم ويكمل بحقيقته ، فأول ما يشرق يتأثر القلب بالوجل والخشية إذا تذكر بالله عند ذكره ، وهو قوله تعالى : « إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذا ذُكِرَ اللهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ ».
ثم لا يزال ينبسط الإيمان ويتعرق وينمو ويتفرع بالسير في الآيات الدالة عليه تعالى ، والهادية إلى المعارف الحقة ، فكلما تأمل المؤمن في شيء منها زادته إيمانا ، فيقوى الإيمان ويشتد حتى يستقر في مرحلة اليقين ، وهو قوله تعالى : « وَإِذا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زادَتْهُمْ إِيماناً ».
وإذا زاد الإيمان وكمل كمالا عرف عندئذ مقام ربه وموقع نفسه ، معرفة تطابق واقع الأمر ، وهو أن الأمر كله إلى الله سبحانه فإنه تعالى وحده هو الرب الذي إليه يرجع كل شيء ، فالواجب الحق على الإنسان أن يتوكل عليه ويتبع ما يريده منه بأخذه وكيلا في جميع ما يهمه في حياته ، فيرضى بما يقدر له في مسير الحياة ،