لمكان قوله فيها ( إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللهِ وَما أَنْزَلْنا عَلى عَبْدِنا يَوْمَ الْفُرْقانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعانِ ) فهي نازلة بعد الوقعة بزمان.
ثم الآيات الأخيرة تدل على أنهم كلموا رسول الله صلىاللهعليهوآله في أمر الأسرى وسألوه أن لا يقتلهم ويأخذ الفدية ، وفيها عتابهم على ذلك ، ثم تجويز أن يأكلوا مما غنموا وكأنهم فهموا من ذلك أنهم يملكون الغنائم والأنفال على إبهام في أمره : هل يملكه جميع من حضر الوقعة أو بعضهم كالمقاتلين دون القاعدين مثلا؟ وهل يملكون ذلك بالسوية فيقسم بينهم كذلك أو يختلفون فيه بالزيادة والنقيصة كأن يكون سهم الفرسان منها أزيد من المشاة؟ أو نحو ذلك.
وكان ذلك سبب التخاصم بينهم فتشاجروا في الأمر ، ورفعوا ذلك إلى رسول الله صلىاللهعليهوآله فنزلت الآية الأولى : « قُلِ الْأَنْفالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ فَاتَّقُوا اللهَ وَأَصْلِحُوا ذاتَ بَيْنِكُمْ » الآية ، فخطأتهم الآية فيما زعموا أنهم مالكوا الأنفال بما استفادوا من قوله : « فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ » الآية ، وأقرت ملك الأنفال لله والرسول ونهتهم عن التخاصم والتشاجر ، فلما انقطع بذلك تخاصمهم أرجعها النبي صلىاللهعليهوآله إليهم ، وقسمها بينهم بالسوية ، وعزل السهم لعدة من أصحابه لم يحضروا الوقعة ، ولم يقدم مقاتلا على قاعد ، ولا فارسا على ماش ، ثم نزلت الآية الثانية : « وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ » الآية ، بعد حين فأخرج النبي صلىاللهعليهوآله مما رد إليهم من السهام الخمس وبقي لهم الباقي. هذا ما يتحصل من انضمام الآيات المربوطة بالأنفال بعضها ببعض.
فقوله تعالى : « يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفالِ » يفيد بما ينضم إليه من قرائن السياق أنهم سألوا النبي صلىاللهعليهوآله عن حكم غنائم الحرب بعد ما زعموا أنهم يملكون الغنيمة ، واختلفوا فيمن يملكها ، أو في كيفية ملكها وانقسامها بينهم ، أو فيهما معا ، وتخاصموا في ذلك.
وقوله : « قُلِ الْأَنْفالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ » جواب عن مسألتهم وفيه بيان أنهم لا يملكونها وإنما هي أنفال يملكها الله ورسوله ، فيوضع حيثما أراد الله ورسوله ، وقد قطع ذلك أصل ما نشب بينهم من الاختلاف والتخاصم.
ويظهر من هذا البيان أن الآية غير ناسخة لقوله تعالى : « فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ »