إني أعلم الغيب نافيا لوجوده عند القائل بل يحتاج إلى أن يقال : لا أعلم الغيب ليفيد النفي بخلاف قوله : « لا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزائِنُ اللهِ » وقوله : « وَلا أَقُولُ إِنِّي مَلَكٌ » ، ولم يكرر قوله : « لَكُمْ » لحصول الكفاية بالواحدة.
وقد أمر الله سبحانه نبيه محمد صلىاللهعليهوآله أن يخاطب قومه بما خاطب به نوح عليهالسلام قومه ثم ذيله بما يظهر به المراد إذ قال : « قُلْ لا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزائِنُ اللهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا ما يُوحى إِلَيَّ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمى وَالْبَصِيرُ أَفَلا تَتَفَكَّرُونَ » الأنعام : ـ ٥٠.
انظر إلى قوله : « لا أَقُولُ لَكُمْ » إلخ ، ثم إلى قوله : « إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا ما يُوحى إِلَيَ » ثم إلى قوله : « قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمى وَالْبَصِيرُ » إلخ ، فهو ينفي أولا الفضل الذي يتوقعه عامة الناس من نبيهم ثم يثبت للرسول الرسالة فحسب ثم يبادر إلى إثبات الفضل من جهة أخرى غير الجهة التي يتوقعها الناس وهو أنه بصير بإبصار الله تعالى وأن غيره بالنسبة إليه كالأعمى بالنسبة إلى البصير وهذا هو الموجب لاتباعهم له كما يتبع الأعمى البصير ، وهو المجوز له أن يدعوهم إلى اتباعه.
( كلام في قدرة الأنبياء والأولياء فلسفي قرآني )
الناس في جهل بمقام ربهم وغفلة عن معنى إحاطته وهيمنته فهم مع ما تهديهم الفطرة الإنسانية إلى وجوده وأحديته يسوقهم الابتلاء بعالم المادة والطبيعة والتوغل في الأحكام والقوانين الطبيعية ثم السنن والنواميس الاجتماعية والأنس بالكثرة والبينونة إلى قياس العالم الربوبي بما ألفوا من عالم المادة فالله سبحانه عندهم مع خلقه كجبار من جبابرة البشر مع عبيده ورعيته.
فهناك فرد من الإنسان نسميه مثلا ملكا أو جبارا دونه وزراء وأمراء والجنديون والجلاوزة يجرون ما يأمر به أو ينهى أنه وله عطايا ومواهب لمن شاء وإرادة وكراهة وأخذ ورد وقبض وإطلاق ورحمة وسخط وقضاء ونسخ إلى غير ذلك.