والأخبار المأثورة عن النبي صلىاللهعليهوآله وعن أئمة أهل البيت عليهالسلام متظافرة في أن الشرك ينقسم إلى جلي وخفي ، وأن الشرك ذو مراتب كثيرة لا يسلم من جميعها إلا المخلصون ، وأنه أخفى من دبيب النمل على الصفا في الليلة الظلماء ، وقد روي في الكافي ، عن الصادق عليهالسلام : في قوله تعالى : « يَوْمَ لا يَنْفَعُ مالٌ وَلا بَنُونَ ـ إِلَّا مَنْ أَتَى اللهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ » الشعراء : ـ ٨٩ ، القلب السليم الذي يلقى ربه ـ ليس فيه أحد سواه ، قال : وكل قلب فيه شرك أو شك فهو ساقط ـ وإنما أرادوا بالزهد في الدنيا لتفرغ قلوبهم للآخرة.
وورد أيضا : أن عبادته تعالى طمعا في الجنة عبادة الأجراء ، وعبادته خوفا من النار عبادة العبيد ، وحق العبادة أن يعبد تعالى حبا له ـ وتلك عبادة الكرام ، وهذا مقام مكنون ـ لا يمسه إلا المطهرون وقد تقدمت عدة من هذه الروايات في بعض الأبحاث السابقة من الكتاب.
١٠ ـ بناء سيرة النبي على التوحيد ونفي الشركاء : أجمل تعالى سيرته صلىاللهعليهوآله التي أمره باتخاذها والسير بها في المجتمع البشري في قوله : « قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ تَعالَوْا إِلى كَلِمَةٍ سَواءٍ بَيْنَنا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنا بَعْضاً أَرْباباً مِنْ دُونِ اللهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ » آل عمران : ـ ٦٤ ، وقال تعالى يشير إلى ما داخل دينهم من عقائد الوثنية : « قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ وَلا تَتَّبِعُوا أَهْواءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيراً وَضَلُّوا عَنْ سَواءِ السَّبِيلِ » المائدة ـ ٧٧.
وقال أيضا يذم أهل الكتاب : « اتَّخَذُوا أَحْبارَهُمْ وَرُهْبانَهُمْ أَرْباباً مِنْ دُونِ اللهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَما أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلهاً واحِداً لا إِلهَ إِلَّا هُوَ سُبْحانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ » التوبة : ـ ٣١.
وكان صلىاللهعليهوآله قد سوى بين الناس في إجراء الأحكام والحدود وقارب بين طبقات المجتمع كالحاكم والمحكوم ، والرئيس والمرءوس ، والخادم والمخدوم ، والغني والفقير ، والرجل والمرأة ، والشريف والوضيع فلا كرامة ولا فخر ولا تحكم لأحد على أحد إلا كرامة التقوى والحساب إلى الله والحكم إليه.