فالبحث العميق في ذلك كله ينتج أن المصائب العامة في المجتمعات الدينية في العالم الإنساني من مواريث الوثنية الأولى التي أخذت المعارف الإلهية والحقائق العالية الحقة مكشوفة القناع مهتوكة الستر فجعلتها أساس السنن الدينية ، وحملتها على الأفهام العامة التي لا تأنس إلا بالحس والمحسوس فأنتج ذلك ما أنتج.
٣ ـ إصلاح الإسلام لهذه المفاسد :
أما الإسلام فإنه أصلح هذه المفاسد إذ قلب هذه المعارف العالية في قالب البيان الساذج الذي يصلح لهضم الأفهام الساذجة والعقول العادية فصارت تلامسها من وراء حجاب وتتناولها ملفوفة محفوفة ، وهذا هو الذي يصلح به حال العامة وأما الخاصة فإنهم ينالونها مسفرة مكشوفة في جمالها الرائع وحسنها البديع آمنين مطمئنين وهم في زمرة الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا ، قال الله تعالى : « وَالْكِتابِ الْمُبِينِ إِنَّا جَعَلْناهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتابِ لَدَيْنا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ » الزخرف : ـ ٤ ، وقال : « إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ فِي كِتابٍ مَكْنُونٍ لا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ » الواقعة : ـ ٧٩ ، وقال النبي صلىاللهعليهوآله : « إنا معاشر الأنبياء ـ أمرنا أن نكلم الناس على قدر عقولهم».
وعالج غائلة الشرك والوثنية في مرحلة التوحيد بنفي الاستقلال في الذات والصفات عن كل شيء إلا الله سبحانه فهو تعالى القيوم على كل شيء ، وركز الأفهام في معرفة الألوهية بين التشبيه والتنزيه فوصفه تعالى بأن له حياة لكن لا كحياتنا ، وعلما لا كعلمنا ، وقدرة لا كقدرتنا وسمعا لا كسمعنا ، وبصرا لا كبصرنا ، وبالجملة ليس كمثله شيء وأنه أكبر من أن يوصف ، وأمر الناس مع ذلك أن لا يقولوا في ذلك قولا إلا عن علم ، ولا يركنوا إلى اعتقاد إلا عن حجة عقلية يهضمها عقولهم وأفهامهم.
فوفق بذلك أولا لعرض الدين على العامة والخاصة شرعا سواء ، وثانيا أن يعمل العقل السليم من غير أن يترك هذه الموهبة الإلهية سدى لا ينتفع بها ، وثالثا أن قرب بين الطبقات المختلفة في المجتمع الإنساني غاية ما يمكن فيها من التقريب من غير أن ينعم على هذا ويحرم ذاك أو يقدم واحدا ويؤخر آخر قال تعالى : « إِنَ