وكان أهل المدينة وما والاها من المدائن وقد سماها الله في كلامه بالمؤتفكات ( التوبة ٧٠ ) يعبدون الأصنام ، ويأتون بالفاحشة : اللواط ، وهم أول قوم شاع فيهم ذلك ( الأعراف : ٨٠ ) حتى كانوا يأتون به في نواديهم من غير إنكار ( العنكبوت : ٢٩ ) ولم يزل تشيع الفاحشة فيهم حتى عادت سنة قومية ابتلت به عامتهم وتركوا النساء وقطعوا السبيل ( العنكبوت : ٢٩ ).
فأرسل الله لوطا إليهم ( الشعراء : ١٦٢ ) فدعاهم إلى تقوى الله وترك الفحشاء والرجوع إلى طريق الفطرة وأنذرهم وخوفهم فلم يزدهم إلا عتوا ولم يكن جوابهم إلا أن قالوا ائتنا بعذاب الله إن كنت من الصادقين ، وهددوه بالإخراج من بلدتهم وقالوا له : لئن لم تنته لتكونن من المخرجين ( الشعراء : ١٦٧ ) وقالوا أخرجوا آل لوط من قريتكم إنهم أناس يتطهرون ( النمل : ٥٦ ).
٢ ـ عاقبة أمرهم : لم يزل لوط عليهالسلام يدعوهم إلى سبيل الله وملازمة سنة الفطرة وترك الفحشاء وهم يصرون على عمل الخبائث حتى استقر بهم الطغيان وحقت عليهم كلمة العذاب فبعث الله رسلا من الملائكة المكرمين لإهلاكهم فنزلوا أولا على إبراهيم عليهالسلام وأخبروه بما أمرهم الله به من إهلاك قوم لوط فجادلهم إبراهيم عليهالسلام لعله يرد بذلك عنهم العذاب ، وذكرهم بأن فيهم لوطا فردوا عليه بأنهم أعلم بموقع لوط وأهله ، وأنه قد جاء أمر الله وأن القوم آتيهم عذاب غير مردود ( العنكبوت : ٣٢ ـ هود : ٧٦ ).
فمضوا إلى لوط في صور غلمان مرد ودخلوا عليه ضيفا فشق ذلك على لوط وضاق بهم ذرعا لما كان يعلم من قومه أنهم سيتعرضون لهم وأنهم غير تاركيهم البتة فلم يلبث دون أن سمع القوم بذلك وأقبلوا يهرعون إليه وهم يستبشرون وهجموا على داره فخرج إليهم وبالغ في وعظهم واستثارة فتوتهم ورشدهم حتى عرض عليهم بناته وقال : ( يا قَوْمِ هؤُلاءِ بَناتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ فَاتَّقُوا اللهَ وَلا تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي ) ثم استغاث وقال : ( أَلَيْسَ مِنْكُمْ رَجُلٌ رَشِيدٌ ) فردوا عليه أنه ليس لهم في بناته إربة وأنهم غير تاركي أضيافه البتة حتى أيس لوط و ( قالَ : لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلى رُكْنٍ شَدِيدٍ ) : ( هود : ـ ٨٠ ).