بالقول ونحوه.
فليس من البعيد أن يكون في التعبير عن قول هذا القائل بمثل « وَشَهِدَ شاهِدٌ » إشارة إلى كون ذلك كلاما صدر عنه من غير ترو وفكر فيكون شهادة لعدم اعتماده على تفكر وتعقل لا قولا يعبر به عرفا عن البيان الذي يبتني على ترو وتفكر ، وبهذا يتأيد ما ورد من الرواية أنه كان صبيا في المهد فقد كان ذلك بنوع من الإعجاز أيد الله سبحانه به قول يوسف عليهالسلام.
قوله تعالى : « فَلَمَّا رَأى قَمِيصَهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ قالَ إِنَّهُ مِنْ كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ » أي فلما رأى العزيز قميص يوسف والحال أنه مقدود مشقوق من خلف ، قال إن الأمر من كيدكن معاشر النساء إن كيدكن عظيم فمرجع الضمائر معلوم من السياق.
ونسبة الكيد إلى جماعة النساء مع كونه من امرأته للدلالة على أنه إنما صدر منها بما أنها من النساء ، وكيدهن معهود معروف ، ولذا استعظمه وقال ثانيا : « إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ » وذلك أن الرجال أوتوا من الميل والانجذاب إليهن ما ليس يخفى وأوتين من أسباب الاستمالة والجلب ما في وسعهن أن يأخذن بمجامع قلوب الرجال ويسخرن أرواحهم بجلوات فتانة وأطوار سحارة تسلب أحلامهم ، وتصرفهم إلى إرادتهن من حيث لا يشعرون وهو الكيد وإرادة الإنسان بالسوء ومفاد الآية أن العزيز لما شاهد أن قميصه مقدود من خلف قضى ليوسف عليهالسلام على امرأته.
قوله تعالى : « يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هذا وَاسْتَغْفِرِي لِذَنْبِكِ إِنَّكِ كُنْتِ مِنَ الْخاطِئِينَ » من مقول قول العزيز أي إنه بعد ما قضى له عليها أمر يوسف أن يعرض عن الأمر وأمر امرأته أن تستغفر لذنبها ومن خطيئتها.
فقوله : « يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هذا » يشير إلى ما وقع من الأمر ويعزم على يوسف أن يعرض عنه ويفرضه كأن لم يكن فلا يحدث به ولا يذيعه ، ولم يرد في كلامه تعالى ما يدل على أن يوسف عليهالسلام حدث به أحدا وهو الظن به عليهالسلام كما نرى أنه لم يظهر حديث المراودة للعزيز حتى اتهمته بسوء القصد فذكر الحق عند ذلك لكن كيف يخفى حديث استمر عهدا ليس بالقصير ، وقد استولى عليها الوله وسلب منها الغرام كل حلم وحزم ، ولم تكن المراودة مرة أو مرتين والدليل على ذلك ما سيأتي من قول النسوة : « امْرَأَتُ الْعَزِيزِ