تُراوِدُ فَتاها عَنْ نَفْسِهِ قَدْ شَغَفَها حُبًّا ».
وقوله : « وَاسْتَغْفِرِي لِذَنْبِكِ إِنَّكِ كُنْتِ مِنَ الْخاطِئِينَ » يقرر لها الذنب ويأمرها أن تستغفر ربها لذلك الذنب لأنها كانت بذلك من أهل الخطيئة ، ولذلك قيل : « مِنَ الْخاطِئِينَ » ولم يقل من الخاطئات.
وهذا كله من كلام العزيز على ما يعطيه السياق لا من كلام الشاهد لأنه قضاء وحكم والقضاء للعزيز لا للشاهد.
ومن الخطإ قول بعضهم : إن معنى « وَاسْتَغْفِرِي لِذَنْبِكِ » سلي زوجك أن لا يعاقبك على ذنبك انتهى. بناء على أن الجملة من كلام الشاهد لا من كلام العزيز وكذا قول آخر : معناه : استغفري الله من ذنبك وتوبي إليه فإن الذنب كان منك لا من يوسف فإنهم كانوا يعبدون الله تعالى مع عبادة الأصنام. انتهى.
وذلك أن الوثنيين يقرون بالله سبحانه في خالقيته لكنهم لا يعبدون إلا الآلهة والأرباب من دون الله سبحانه ـ وقد تقدم الكلام في ذلك في الجزء السابق من الكتاب ـ على أن الآية لا تشتمل إلا على قوله : « وَاسْتَغْفِرِي » من دون أن يذكر المتعلق ، وهو ربها المعبود لها في مذهبها.
وربما قيل : إن الآية تدل على أن العزيز كان فاقدا للغيرة ، والحق أن الذي تدل عليه أنه كان شديد الحب لامرأته.
قوله تعالى : « وَقالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ امْرَأَتُ الْعَزِيزِ تُراوِدُ فَتاها عَنْ نَفْسِهِ قَدْ شَغَفَها حُبًّا إِنَّا لَنَراها فِي ضَلالٍ مُبِينٍ » قصة نسوة مصر مع يوسف في بيت العزيز تتضمنها الآية إلى تمام ست آيات.
والذي يعطيه التدبر فيها بما ينضم إليها من قرائن الأحوال وما يستوجبه طبع القصة أنه لما كان من أمر يوسف والعزيزة ما كان ، شاع الخبر في المدينة تدريجا ، وصارت النساء وهن سيدات المدينة يتحدثن به في مجامعهن ومحافلهم فيما بينهن ويعيرن بذلك عزيزة مصر ويعبنها أنها تولهت إلى فتاها وافتتنت به وقد أحاط بها حبا فظلت تراوده عن نفسه ، وضلت به ضلالا مبينا.