هذه الأمة لما وقع في بني إسرائيل مما لا ريب فيه ، وهي متظافرة أو متواترة ، لكن هذه الروايات لا تدل على المماثلة من جميع الجهات ، وهو ظاهر بل الضرورة تدفعه.
فالمراد بالمماثلة هي المماثلة في الجملة من حيث النتائج والآثار ، وحينئذ فمن الجائز أن تكون مماثلة هذه الأمة لبني إسرائيل في مسألة تحريف الكتاب إنما هي في حدوث الاختلاف والتفرق بين الأمة بانشعابها إلى مذاهب شتى يكفر بعضهم بعضا وافتراقها إلى ثلاث وسبعين فرقة كما افترقت النصارى إلى اثنتين وسبعين واليهود إلى واحدة وسبعين وقد ورد هذا المعنى في كثير من هذه الروايات حتى ادعى بعضهم كونها متواترة.
ومن المعلوم أن الجميع مستندون فيما اختاروه إلى كتاب الله ، وليس ذلك إلا من جهة تحريف الكلم عن مواضعه ، وتفسير القرآن الكريم بالرأي ، والاعتماد على الأخبار الواردة في تفسير الآيات من غير العرض على الكتاب وتمييز الصحيح منها من السقيم.
وبالجملة أصل الروايات الدالة على المماثلة بين الأمتين لا يدل على شيء من التحريف الذي يدعونه نعم وقع في بعضها ذكر التحريف بالتغيير والإسقاط ، وهذه الطائفة على ما بها من السقم مخالفة للكتاب كما تقدم.
الفصل ٤
في تاريخ اليعقوبي : قال عمر بن الخطاب لأبي بكر : يا خليفة رسول الله إن حملة القرآن قد قتل أكثرهم يوم اليمامة فلو جمعت القرآن فإني أخاف عليه أن يذهب حملته ، فقال له أبو بكر : أفعل ما لم يفعله رسول الله؟ فلم يزل به عمر حتى جمعه وكتبه في صحف ، وكان مفرقا في الجريد وغيرها.
وأجلس خمسة وعشرين رجلا من قريش وخمسين رجلا من الأنصار فقال : اكتبوا القرآن واعرضوا على سعيد بن العاص فإنه رجل فصيح.
وروى بعضهم : أن علي بن أبي طالب عليهالسلام كان جمعه لما قبض رسول الله صلىاللهعليهوآله ـ وأتى به يحمله على جمل فقال : هذا القرآن قد جمعته. قال : وكان قد جزأه سبعة أجزاء ثم ذكر الأجزاء.
وفي تاريخ أبي الفداء : وقتل في قتال مسيلمة جماعة من القراء من المهاجرين