في إدامة حياته وغيره.
فكل من هذه الأشياء مدخرة بأجزائها والقوى الفعالة فيها في تلك الخزائن غير القابلة للنفاد من جهة عظمة مقداره ومن جهة ما يعود إليه من الأجزاء الجديدة بانحلال تركيب المركبات بموت أو فساد ورجوعها إلى عناصرها الأولية كالنبات يفسد والحيوان يموت فيعود عناصرها بانحلال التركيب إلى مقارها ويتسع بذلك المكان لكينونة نبات وحيوان آخر يخلفان سلفهما.
فالضوء وخاصة ضوء الشمس الذي يعمل الليل والنهار والفصول الأربعة ويربي النبات والحيوان وسائر المركبات ويسوقها إلى غاياتها ومقاصدها من خزائن الله تعالى والرياح التي تلقح النبات وتسوق السحب وتنقل الأهوية من مكان إلى مكان وتدفع فاسد الهواء وتجري السفن خزانة أخرى ، والماء النازل من السماء الذي تحتاج إليه المركبات ذوات الحياة في كينونتها وبقائها خزانة أخرى ، وكذلك العناصر البسيطة التي تتركب منها المركبات كل منها خزانة تنزل من مجموعها أو من عدة منها الأشياء المركبة ، ولا ينزل قط إلا عدد معلوم من كل نوع من غير أن تنفد به الخزائن.
وعلى هذا فمراد الآية بالشيء هو نوعه لا شخصه كما تقدم في الوجه الأول والمراد بخزائنه مجموع ما في الكون من أصوله وعناصره وأسبابه العامة المادية ومجموع الشيء موجود في مجموع خزائنه لا في كل واحد منها والمراد بنزوله بقدر معلوم كينونة عدد محدود منه في كل حين من غير أن يستوفي عدد جميع ما في خزائنه.
وهذا وجه حسن في نفسه تؤيده الأبحاث العلمية عن كينونة هذه الحوادث وتصدقه آيات كثيرة متفرقة في الكتاب العزيز كقوله في الآية التالية : ( وَأَرْسَلْنَا الرِّياحَ لَواقِحَ فَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَسْقَيْناكُمُوهُ ) وقوله : ( وَجَعَلْنا مِنَ الْماءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ ) الأنبياء : ٣٠ وقوله : ( وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دائِبَيْنِ ) : إبراهيم : ٣٣ وقوله : ( وَالسَّحابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ ) البقرة : ١٦٤ إلى غير ذلك من الآيات.
لكن الآية وهي من آيات القدر كما يعطيه سياقها تأبى الحمل عليه كما تأبى عنه أخواتها وكيف يحمل عليه قوله : ( وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيراً )؟ الفرقان : ٢ وقوله : ( الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدى ) الأعلى : ٣ وقوله : ( وَكُلُّ شَيْءٍ