عِنْدَهُ بِمِقْدارٍ ) الرعد : ٨ وقوله : ( إِلَّا امْرَأَتَهُ قَدَّرْناها مِنَ الْغابِرِينَ ) النمل : ٥٧ وقوله : ( مِنْ أَيِّ شَيْءٍ خَلَقَهُ مِنْ نُطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ ) عبس : ١٩ وقوله : ( إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ ) إلى آخر السورة إلى غير ذلك من الآيات.
على أنه يرد عليه بعض ما أورد على الوجهين السابقين كتخصيص عموم ( شَيْءٍ ) من غير مخصص وغير ذلك.
والذي يعطيه التدبر في الآية وما يناظرها من الآيات الكريمة أنها من غرر كلامه تعالى تبين ما هو أدق مسلكا وأبعد غورا مما فسروها به وهو ظهور الأشياء بالقدر والأصل الذي لها قبل إحاطته بها واشتماله عليها.
وذلك أن ظاهر قوله : ( وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ ) على ما به من العموم بسبب وقوعه في سياق النفي مع تأكيده بمن ، كل ما يصدق عليه أنه شيء من دون أن يخرج منه إلا ما يخرجه نفس السياق وهو ما تدل عليه لفظة ( نا ) و ( عند ) و ( خزائن ) وما عدا ذلك مما يرى ولا يرى مشمول للعام.
فشخص زيد مثلا وهو فرد إنساني من الشيء ونوع من الإنسان أيضا الموجود في الخارج بأفراده من الشيء والآية تثبت لذلك خزائن عند الله سبحانه فلننظر ما معنى كون زيد مثلا له خزائن عند الله؟
والذي يسهل الأمر فيه أنه تعالى يعد هذا الشيء المذكور نازلا من عنده والنزول يستدعي علوا وسفلا ورفعة وخفضة وسماء وأرضا مثلا ولم ينزل زيد المخلوق مثلا من مكان عال إلى آخر سافل بشهادة العيان فليس المراد بإنزاله إلا خلقه لكنه ذو صفة يصدق عليه النزول بسببها ، ونظير الآية قوله تعالى : ( وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ الْأَنْعامِ ثَمانِيَةَ أَزْواجٍ ) الزمر : ٦ وقوله : ( وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ ) الحديد : ٢٥.
ثم قوله : ( وَما نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ ) يقرن النزول وهو الخلقة بالقدر قرنا لازما غير جائز الانفكاك لمكان الحصر ، والباء إما للسببية أو الآلة أو المصاحبة والمآل واحد فكينونة زيد وظهوره بالوجود إنما هو بماله من القدر المعلوم فوجوده محدود لا محالة ، كيف؟ وهو تعالى يقول : ( إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطٌ ) حم السجدة : ٥٤ ولو لم يكن محدودا لم يكن محاطا له تعالى فمن المحال أن يحاط بما لا حد له ولا نهاية.